اراء و أفكـار

نداء شعبي لعادل عبد المهدي: ابقِ على الأعرجي واللعيبي والكاظمي وشغاتي في حكومتك، فهم أكفاء ونزهاء

 

فيما يستمر رئيس الوزراء المُكلف عادل عبد المهدي بالتشاور السياسي لغرض تأليف الحكومة المنتظرة، والتي يعول عليها الشارع العراقي المُحبط من طول السبات السياسي، وافتقار التجارب السابقة الى نجاحات يمكن أن تؤسس لمبدأ مستقبلي مبني على انجاز واقعي، تبرز المطالبات الشعبية كإحدى أهم الخيارات التي تفرض نفسها بقوة على السيد عادل عبد المهدي المرشح التوافقي الذي يحظى بدعم أغلب الأطراف السياسية، فضلاً عن تزويده بضوء أخضر (كرين لايت) غير معلن من قبل المرجعية الدينية التي تريد أن تحقق اختراقاً لعوامل الفشل والاخفاقات بغض النظر عن اعتبارات التصارع السياسي المريع، أو الضعف الموضوعي لمرحلة سياسية أتسمت بعدم القدرة على خلق فضاء عمل وطني يمكن أن ينفذ منه الى واقع خدمي مرضي، وبناء تجربة سياسية قادرة على اعادة صياغة الخطاب الحكومي وفق رؤية حقيقية قادرة على إثبات جدارتها في واقع موروث ومحمل بتبعات حاضرة ومستقبلية.

هذا الواقع يفرض على عبد المهدي ايضاً أن يتجاوز المعايير الموضوعة كعرف سياسي بات قانوناً للأسف، يقضي بتوزيع المناصب العليا وفق مبادئ: المحاصصة القومية، ثم المذهبية، ثم السياسية، والمناطقية

…الى آخره من معايير النخبة السياسية التي وضعتها، ووجد أي رئيس حكومة مُكلف ازائها حائراً، ولا يجرؤ على ” الكفر” بها وهي ” قرأن ” هذه النخبة وانجليها ايضاً، لكن دون أن ينزل على صدر نبي أو مرسل!

لكن عبد المهدي وظروفه اليوم، ليس مثل حيدر العبادي ونوري المالكي وظروفهما، ولا مثل الجعفري أو اياد علاوي أيضاً، فهو وإن كان سيرث التجربة بسلبياتها ومساوئها، لكنه سيكون في حل من التزاماتها الموروثة.

لمَ ؟

والجواب ببساطة، لأن الشارع الغاضب المحبط المتظاهر، هو الذي يفرض الآن مبادئه واعرافه السياسية التي لو تجاوزها عبد المهدي فأنه سيعلن انتهاء تجربتهِ مبكراً، وسيخسر أي رصيد شعبي داعم لتجربته المنتظرة، لكن ما هي اعراف هذا الشارع بالضبط؟.

الاجابة يعرفها عبد المهدي قبل غيره، أنها أعراف وقيم وطنية تريد ان تؤسس لدولة المواطنة، دولة الشعب لا دولة نخبة الخضراء، ولا دولة الساسة واحزابهم وطوائفهم المعزولة، دولة تقود بيدها لا بيد غيرها مؤسساتها، ملتزمة بدستورها ومنفذة لقوانينها بمهنية عالية، كي لايستمر الارتجال السياسي، ولا يظل سائداً الى ما لا نهاية، مع الاعتراف أن حكومة العبادي الأخيرة شهدت اختراقاً نوعياً في مجال الدفع بكفاءات نادرة الى سدة القرار، لكن هذه التجربة بقيت معدودة ومحدودة ولم تتحول الى نهج سياسي وتجربة متكاملة، بمعنى أن وجود كفاءات وطنية في مواقع مسؤولية مهمة في حكومة العبادي كانت تجربة نافعة للقياس والمقارنة الأمر الذي افرز تحولاً جذرياً في الوعي السياسي، والتفريق بين معنى الكفاءة والخبرة والقدرة عند هذا السياسي، ومعنى أن يتسلق ذلك السياسي لهذا المنصب أو لذاك، متوسلاً تبريرات لا منطقية، سوى أنه من القائمة كذا أو القومية تلك، أو يعود لهذه الجماعة أو لتلك الطائفة دون ان يلمس المواطن لهذا اثراً حتى وأن كان من القائمة كذا ذاتها، أو القومية تلك نفسها، الخ.

يقيناً ان عبد المهدي يجد نفسه الان امام مثابة قد تفتح بوابة المجد للعراق، أو ستعيده لدوامة الجحيم والفشل، فعبد المهدي الذي الزم نفسه ببرنامج طموح، مطالب الآن أن يكفر بمبادئ تلك القوى والكارتلات السياسية، وأن لا يضع أي اعتبار لغير المهنية والقدرات الشخصية والموضوعية، والتقييم على أسس معتمدة كمعايير دولية لا تلك التي تفرضها الطبقة السياسية، التي تريد منها جني المكاسب، بينما ستتخلى حتماً عند الاخفاق، فرئيس مجلس الوزراء في دستور جمهورية العراق هو المسؤول التنفيذي الأول عن عمل الدولة، ولن يشفع له أن تذرع بضغوط مورست عليه من هذا، أو من ذاك، أو انه ارغم على هذه التشكيلة الوزارية التي لا يرغب بها !

أبداً، فعلى الرجل أن يتعظ من تجارب من سبقوه، وأن يضع المناسب في موقعه، ويعطي الانجاز والشخص المنجز ما يستحقه.

في هذا الصدد لا يفوتنا ونحن نواكب تشكيل الحكومة الدستورية الرابعة من عمر العراق الجديد، ان نتوجه الى السيد عادل عبد المهدي الذي يقود مفاوضات ومباحثات مارثونية الآن، أن يستمع لصوت المطالبات الشعبية التي تردنا كجهة صحافية وطنية مهنية، والتي تريد أن يضع عبد المهدي نصب عينه فقط الانجاز الوطني والمتحقق على الأرض وليس غيره.

فقد ناشد مواطنون عبر رسائل واتصالات متكررة ومتواصلة تلقاها ( العراق اليوم) رئيس مجلس الوزراء المكلف عادل عبد المهدي مراعاة الاعتبارات المهنية فحسب، حيث طالب هؤلاء المواطنون بإسناد المناصب الوزارية المهمة الى شخصيات اثبتت التجربة قدراتها ومهنيتها، لاسيما شخصية وزير الداخلية العراقي قاسم الاعرجي الذي اثبت توجهاً مهنياً وقدرات فنية رائعة كان لها الاثر البالغ في تطوير مؤسسة وزارة الداخلية وتحقيق نقلات نوعية في عملها الذي شهد انتقالات كبيرة وانجازات شهد بها القاصي والداني، اذ اثبت الرجل ذو الخلفية القيادية مهارات عالية في بناء مؤسسة تحترم مبادئ حقوق الانسان بعناية من جهة، وتلتزم الصرامة في تطبيق وانفاذ القانون، كذلك حول الداخلية من مؤسسة بوليسية قمعية الى مؤسسة خدمية تربوية ارشادية، مع نقلات مهمة في ملف مكافحة الفساد المالي والاداري الذي استشرى في مفاصل الوزارة في الفترات السابقة، كما أن الأعرجي نجح الى حد كبير في اثبات توجه وطني خالص، عبر تجاوز عقد الأمس على صعوباتها، فالرجل الذي حمل السلاح بوجه صدام واعوانه، عاد ليمنح عوائل اركان النظام اوراقهم القانونية والثبوتية حسب الدستور والقانون الذي حرم تجريد أي عراقي من انتمائه الوطني بغض النظر عن موقفه السياسي، لذا اثبت الوزير جرأة في هذا الملف، وقدرات فائقة في تجاوز كونه سياسياً محكوماً بعقدة الانتقام وعقيدة الثأر الراسخة.

ولعل الدعوة التي اطلقها الدكتور اياد علاوي زعيم ائتلاف الوطنية، ذو التوجهات القومية – العلمانية، اليوم والتي تدعو لإعادة توزير الأعرجي مجددًا في حكومة عبد المهدي وحدها شهادة دامغة على قدرات الرجل الكبيرة.

وفي هذا السياق، فأن المطالبات الشعبية المتصاعدة تضغط على رئيس الوزراء المكلف بضرورة أن يخرج الملف النفطي من جنبة الصراع السياسي أو التحاصص الحزبي، وأن يدفع رئيس الحكومة الجديد لتعزيز رصيد الانجاز النفطي الكبير الذي تحقق على يد الخبير الوطني والكفاءة المشهودة المهندس جبار لعيبي الذي ادار دفة القطاع النفطي بعين دقيقة فاحصة وعالمة، لكنها لا ترى في ذات الوقت أي اعتبار طائفي أو قومي أو حزبي او سياسي، فمثل هذا الرجل الذي يعد أخر أبناء جيل ” عباقرة النفط ” في البلاد لا يمكن أن يفرط به تحت أي ظرف أو ضغوط تمارس من أي جهة تحاول أن تستحوذ على منصب وزارة النفط، وتعرض هذا القطاع لهزات كبيرة كما حدث في تجارب سابقة، بل أن اللعيبي الذي يدير هذا القطاع بحنكة عالية يمثل صمام امان له، ولايمكن أن يترك خلف ظهر الحكومة القادمة التي يجب أن تكون تخصصية دقيقة وذات برنامج علمي مدروس، بخاصة وان السيد عبد المهدي – الذي كان وزيراً للنفط أيضاً – يعرف اكثر من غيره قدرات جبار اللعيبي الوزارية، ويفهم إمكاناته العلمية والفنية والمهارية.

وفي ملف الأمن الذي سيكون أول اوليات السيد عبد المهدي، فأن المطالبات التي تريد أن يطوي العراق صفحة الإرهاب الى الأبد، تنصب الآن باتجاه ترصين انجازات مؤسسات أمنية استراتيجية فاعلة، كجهاز المخابرات الوطني العراقي، الذي يدار الآن بعقلية تخطيطية واستراتيجية متقدمة، اذ أن ادارة السيد مصطفى الكاظمي اوجدت تحولات جذرية في عمل الجهاز الأخطر في الدولة، فالكاظمي الذى استطاع محو صورة “الجهاز الدموي البوليسي القمعي” عن صورة هذا الجهاز، استطاع بذات الوقت من بناء جهاز معلوماتي أمني دقيق، يحقق على الجبهات انتصارات نوعية، ويحسم أعقد الملفات في الحرب على الإرهاب، ويتوسع بنشاطه المعلوماتي والاجرائي الى مديات اقليمية ودولية، الأمر الذي جعل منه لأول مرة شريكاً لأكبر اجهزة العالم المعنية بمكافحة آفة الإرهاب الفتاكة، لذا فأن تجربة الكاظمي المتحققة، لا يمكن لعبد المهدي تجاوزها قطعاً، فهدم اركان هذه التجربة الأمنية الإنسانية، الوطنية الراقية بداعي الاستحقاقات السياسية من شأنه أن يعيد العراق للمربع الأول الذي خرج منه بالكاد.

كما جاءت المناشدات مطالبةً بعدم التفريط بالمنجز الأمني الكبير الذي تحقق في النصر المؤزر على الإرهاب لاسيما مع الجهود الجبارة التي بذلها قائد جهاز مكافحة الإرهاب العراقي الدكتور الفريق أول الركن طالب شغاتي الذي يعد مفخرة من مفاخر العسكرية العراقية، وأمثولة ناجحة للرجل العسكري الوطني، فالحرب على الإرهاب ما كان لها أن تأخذ هذا الشكل والحيز والاهتمام العالمي لو لا جهود وكفاءة هذا الرجل الممتازة في قيادة واحد من ابرز اجهزة مكافحة الإرهاب في العالم، نعم فشغاتي الذي تفتخر اكبر اكاديميات العلوم العسكرية بكونه أحد خريجيها، يستحق أن يبقى في هذا المنصب، بل وأن يستعين القائد العام للقوات المسلحة السيد عادل عبد المهدي بقدراتهِ في توجيه بوصلة القوات المسلحة واعادة ترتيب صفوفها وهيكلتها بشكل يحقق الانسجام الداخلي والاداء الأنموذج، فمثل هذه الكفاءة وبعض الكفاءات العسكرية الأمنية الأخرى كالقائد المنتصر عبد الوهاب الساعدي، يجب ان تحفظ لا أن يفرط بها في أشد أوقات العراق حساسيةً، بل على عبد المهدي أن لا يضع أي اعتبار في التعامل مع مثل هذه النخبة سوى اعتبار كم الولاء الوطني والمنجز المتحقق على أرض الواقع.

مقالات ذات صلة