الخطر على لبنان داخلي لا خارجي
محمد علي فرحات
للمرة الثانية يعرض بنيامين نتانياهو خرائط أمام ممثلي دول العالم في مقر الأمم المتحدة في نيويورك. كانت المرة الأولى عن مواقع نووية في إيران، لا تزال مفاعيلها في العقوبات تتوالى، خصوصاً في عهد الرئيس دونالد ترامب.
جاء الآن دور لبنان ومواقع تخزين أو صناعة صواريخ «حزب الله» ومن خلفه إيران، وتولى الرد على نتانياهو وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل الذي اصطحب رؤساء البعثات الديبلوماسية إلى المواقع التي أشار إليها رئيس الوزراء الإسرائيلي ليكون التوضيح ملموساً على الأرض. لكن، سيبقى هناك من يصدق نتانياهو أو يقول أن الصواريخ موجودة في لبنان في مكان قريب إلى المطار أو بعيد منه لكنها موجودة.
عاش اللبنانيون ويعيشون حال خوف وحذر من تحوّل كلام نتانياهو إلى فعل حربي تقوم به إسرائيل أو غيرها. لكن الخطر الحقيقي على لبنان يأتي دائماً من الداخل لا من الخارج، ففي إمكان اللبنانيين الاتفاق على مواجهة الاحتلال أو العدوان بوسائل سياسية أو عسكرية، لكن خطر الداخل المتأتي من تعصّب الجماعات السياسية أو الطائفية وتحاملها، هو ما يخيف اللبناني العادي على مصيره الشخصي ومصير وطنه.
في لبنان حرب داخلية باردة، وأحدث تجلياتها التأخّر في تشكيل الحكومة والصراع على عدد المقاعد وعلى نوعيتها، سيادية أو غير سيادية، أي، تحمل منافع يوزعها الوزير على جماعته أو لا تحمل مثل هذه المنافع. ويغطي بعض السياسيين الفشل في تشكيل الحكومة بأن ينسبه إلى دول مؤثرة في خيارات اللبنانيين. قد يكون هذا صحيحاً، لكنه محدود ولا يصل إلى حد إعاقة تشكيل حكومة، بل إن الدول المؤثرة، على اختلافها، لا مصلحة لها في انهيار الجسم السياسي اللبناني لأن «حصتها» فيه ستنهار أيضاً.
وكان اتفاق الطائف أخرج اللبنانيين من حربهم الأهلية المعقّدة، لكن نفوس الكثيرين لا تزال ملوّثة بغبار تلك الحرب، بحيث تبدو الحروب اللبنانية، الباردة والساخنة، أكثر استمراراً حتى من الحرب العالمية الثانية التي هدمت مدناً متحضّرة وقتلت ملايين. لكن العالم استفاد من تلك الحرب بدروس ذات قيمة لا تضاهى، فكلمة «استسلام» التي تعني ما يشبه العار الوطني كانت لدى ألمانيا واليابان نعمة، لأنها في الواقع تسليم بالحداثة وبما يربط أمم العالم من علاقات متبادلة، وتبدو الدولتان «المستسلمتان» اليوم في مقدم المحافظين على حضارة الإنسان والسلام والتقدُّم.
انظر إلى اللبنانيين اليوم يستخدمون كلمتي «النصر» و «الهزيمة» يومياً أكثر مما يشربون الماء، وهم لا يتنبّهون إلى أن هزيمة أي منهم تعني هزيمة الجميع، وإن يخيّل إلى البعض أنه انتصر، وفي المقدم «حزب الله» الذي يحمل ما يسميه انتصارات في سورية والعراق فتتحول في لبنان إلى مأزق يقارب هزيمة مرشحة لتتوزع على سائر اللبنانيين الذين لم يستشرهم في خوض حروب خارج الحدود يدفعون ثمنها عاجلاً أو آجلاً، وأول الأثمان ما يزيد عن مليون نازح سوري يفاقمون المآزق الاجتماعية والاقتصادية، بل السياسية، في الوطن الصغير.
لبنان، في البداية والنهاية، رسالة تنوّع اجتماعي وثقافي ونمط حياة قائم على التجارة والفرح، ما بين الداخل العربي وأوروبا والعالم. وفي هذا، يفضل اللبنانيون ثقافة السلام على حروب صغيرة لا تنفك تتوالد من لهب إلى لهب حتى تحرق المتحاربين جميعاً. وفي هذا أيضاً يمكن القول إن الجماعات اللبنانية قادرة على تجاوز حروبها الباردة، لكن المأزق شبه الوحيد هو «حزب الله» الذي يحمل ثقافة العسكرة والجهاد الدائم وتقسيم العالم إلى أبيض وأسود. وإذا كان السلام في الأصل فعل تسوية، فإن «حزب الله» الذي لا يرتضي تسويات مع من يسميهم أعداءه، هو في العمق ضد السلام، فيما هو يعيش في وطن قائم أصلاً على التسوية والسلام.
“نقلا عن الحياة اللتدنية”