اراء و أفكـار

إغراء التدخل

تعدد اللاعبون في ليبيا باختلاف أجنداتهم، وكل يعتبر نفسه الأحق بالقيادة والسيطرة، تحركهم دوافع متباينة يختلط فيها الايديولوجي بالجهوي بالقبلي بالمصلحة الشخصية والرؤية الضيقة التي لا تتجاوز مهوى الأنف.
الوضع الراهن في ليبيا بعد سبع سنوات من إطاحة نظام الجماهيرية، هو نتيجة لضيق الأفق الذي يعجز عن رؤية ليبيا موحدة قوية لصالح كل الليبيين، بديلا لليبيا متشرذمة إلى أقاليم ومدن وقبائل،وأجندات ومصالح متضاربة وميليشيات متناحرة متقاتلة،والضحية في نهاية الأمر الشعب الليبي ومستقبل البلد.
فشلت كل المحاولات التي بذلتها الجامعة العربية ودول الجوار فرادى وجماعة والأمم المتحدة في تحقيق تسوية سياسية للأزمة الليبية يقبل بها الجميع،وبقي الوضع على حاله من الفوضى:ثلاث حكومات متصارعة ومجلسان نيابيان، وأجهزة عسكرية وأمنية ومالية موازية،ومبادرات سياسية واتفاقيات متعددة ما زالت حبراً على ورق.
يكاد اتفاق الصخيرات يدخل عامه الثالث إلا أن استحقاقاته لم تنفذ، بل إن أطراف الاتفاق نفسه تبذل أقصى ما تستطيع لعرقلته، رغم أن الاتفاق لم يستبعد أحداً وأسبغ شرعية على الوضع الراهن بتعدد مكوناته وأجنداته، باعتباره الحد الأدنى إلى حين يقرر الشعب الليبي عبر الانتخابات مستقبله السياسي.
ولم تكن المبادرة الفرنسية في مايو الماضي إلا محاولة للدفع إلى الأمام باستحقاقات اتفاق الصخيرات، في وقت تسعى إيطاليا إلى رعاية تسوية للأزمة في نوفمبر المقبل. ولا يخفى أن الدول الكبرى بمحاولتها رعاية حل للصراع في ليبيا فهي تسعى لضمان مصالحها.
لذا لم يكن غريبا أن تدخل الولايات المتحدة على خط الأزمة الليبية بطرح مبادرة جديدة تبطل، إن لم نقل تنسف، كل المبادرات السابقة،وتهيمن على المشهد باعتبارها القوة الأكبر في العالم والمتنفذة في مجلس الأمن والقادرة على فرض الحل النهائي.
عودة ليبيا إلى واجهة الاهتمام الأمريكي،وطرح مبادرة للحل تمثل العودة إلى المربع الأول، ومحاولة التوصل لحل جملة واحدة باستخدام سيف الاسكندر المقدوني بقطع العقدة بدلا من فهمها لفكها،وذلك توفيرا للوقت والجهد، والأهم استدراكا للفوائد والأرباح التي يمكن أن تجنيها أمريكا.
بالطبع لم تبادر الولايات المتحدة للدخول طرفا في الأزمة الليبية، إلا بعد أن تكشف ما وراء الكواليس، فشركات النفط الإيطالية والفرنسية لم تعد تطيق ضياع استثماراتها وفرصها المستقبلية لصالح لاعبين اقتصاديين جدد مثل روسيا وتركيا. ولا شك أن شركات النفط الأمريكية العملاقة تريد حصة وافرة من النفط والغاز الليبي، وهو أمر كانت بسبيلها إليه لولا سقوط نظام القذافي.
وقد كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القادم من عالم المال والأعمال،واضحا عندما قال إن الولايات المتحدة على عهد سلفه باراك اوباما أضاعت فرصة أن تحصل على نصف الثروة النفطية الليبية.
يبقى القول إنه ما لم تخرج الكيانات السياسية وميليشيات الأقاليم والمدن والقبائل في ليبيا من شرنقة المصلحة الذاتية الضيقة، فإن ليبيا الموحدة القوية ستصبح مجرد ذكرى تاريخية.

“الخليج”

مقالات ذات صلة