اراء و أفكـار

ثورة البصرة

بداية، أن كل حالات الغضب الشعبي والتظاهرات التي تحدث في مناطق العالم يظهر المندسون أو أصحاب الأجندات للعبث بالمؤسسات العامة والبعثات الدبلوماسية وهو أمر يستدعي الرفض والاستنكار لأنه لا يعبر عن روح المسؤولية باعتباره يطال مؤسسات للخدمة العامة، أو لتسهيل وتنظيم العلاقات بين الدول، وهي محمية بموجب بروتوكولات واتفاقيات دولية.
من هذه الزاوية نطل على ما يجري في مدينة البصرة العراقية من تظاهرات شعبية ومواجهات وأعمال عنف، هي أقرب إلى الثورة، على خلفية أزمات اقتصادية وخدمية واجتماعية متمادية، جراء إهمال رسمي مديد، وفساد مستشرٍ، وتدخلات خارجية جعلت المواطن العراقي يئن تحت أثقال هائلة لم يعد بمقدوره تحملها، بل تجاوزت قدرته على الصبر والتزام الهدوء والحكمة.
بهذا المعنى، نحن نتعامل مع مئات الآلاف من البشر الذين ضاقوا ذرعاً بوضع معيشي تحول إلى حبل مشنقة يلف أعناقهم وأعناق أطفالهم، ولم يعد بمقدورهم السكوت أكثر، وتحولت غضبتهم إلى الشارع كي يعبروا عن مرارة العيش وضيق ذات اليد، وتعامي السلطة عن وضع بات لا يحتمل مع انعدام أساسيات الحياة مثل الماء والكهرباء والغلاء وتعاظم البطالة.
النزول إلى الشارع في هذه الحال أمر طبيعي، والتعبير عن وضع اجتماعي بائس هو حق من حقوق الإنسان، تكفله الشرائع والقوانين، ويجب أن يتم بحماية الجهات الأمنية المسؤولة.
لكن المثل يقول «الجوع كافر»، ومن لا يهب للدفاع عن حقه لا يستحق الحياة. والفقر هو أصل الثورة والجريمة، والفقر بحد ذاته لا يصنع ثورة، إنما وعي الفقر هو الذي يصنعها.
يبدو أن أهل البصرة أدركوا نتيجة معاناتهم اليومية، معنى الفقر فهبوا للدفاع عن حقهم في الحياة بتظاهرات في وجه سلطة جائرة وفاسدة، طالت في طريقها كل من تراه مسؤولاً عن أوضاعهم المأساوية، وخرجت الأمور عن الضبط، وكان للمؤسسات الرسمية والقنصلية الإيرانية نصيب من هذا الغضب.
بدت الغضبة على إيران أحد وجوه الغضب الشعبي العارم، وقد يكون أهالي البصرة أكثر من غيرهم من العراقيين الذين عانوا من الدور الإيراني في الجنوب، من حيث التدخل المباشر في شؤونهم، والقطع الدائم للمياه عن مدينتهم جراء تحكم السلطات الإيرانية في مصادر الأنهار التي تنبع من داخل أراضيها، إضافة إلى تعمد عدم تزويد المدينة بالكهرباء وفقاً للاتفاقات المبرمة مع السلطات العراقية نتيجة عدم كفاية الكهرباء المنتجة محلياً، والأدهى والأمر هو وجود مكاتب لجماعات وأحزاب وميليشيات محسوبة على إيران ليست محل رضا وترحيب من الأهالي نتيجة دورها وممارساتها المسيئة للعراقيين.
كل هذه العوامل اجتمعت دفعة واحدة لتجعل أهالي البصرة يخرجون إلى الشوارع تعبيراً عن غضبهم مما آلت إليه أحوالهم من ظلم وجور السلطات وفجور الجار الإيراني وجماعاته.
ماذا يمكن لأهالي البصرة أن يفعلوا غير الغضب والثورة أمام وضعهم المأساوي، حيث الفقر على يمينهم والظلم على يسارهم، والتدخل السافر في شؤونهم خلفهم؟

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة