“بعد خراب البصرة”.. الشهداء والجرحى.. الحكومة وتشكيلها.. والماء والكهرباء والبطالة
“بعد خراب البصرة”، اي فات الاوان.. فلا شيء سيتسنى اصلاحه.. واذا لم تصلح البصرة فلن تصلح بقية الاوضاع. فها نحن نؤجل جلسة مجلس النواب التي لم يحضرها سوى 84 نائباً الى 17/9.. فلسنا في عجلة من تشكيل حكومة، اية حكومة.. فكيف إن اردنا الكلام عن حكومة ناجحة ومجلس نواب فاعل ودولة راشدة ومجتمع منتج؟؟. مع استمرار التظاهرات، والمزيد من الشهداء والجرحى بدون وجه حق.. ويزداد الفساد والبطالة والحرائق والبطالة والاعتداءات، وتردي المياه والكهرباء، وتملصنا جميعاً من هذه النتائج، لنرمي مسؤولياتها على الاخرين. وهي حالة يستغلها اعداء البلاد الداخليين والخارجيين ليصبوا المزيد من الزيت على النار.
قرأت لاحد الاخوة الثاقبي النظر، الصادقي التعبير، ممن يمارس عمله في اخطر الواجبات والمناطق، وهو من سكنة البصرة الفيحاء كلاماً معبراً عن حالة محافظته وبلده، والكتل، والدولة، والمجتمع.. وساختصره –معتذراً- بتصرف بسيط.
[“قصة من تراث “الحيانية”، الحي البصري الفقير المعروف. كان النشال، او “اللوتي”، قبل التسعينات يخرج على باب الشيطان لطلب رزقه. فيزج بنفسه بازدحام السوق، والباص ليمد يده باسلوب فني ناعم ورائع بنفس الوقت، في جيوب من يسمونه “النشالة” بـ”الزوج” او “المغفل”. فاذا احس الاخير بالعملية، يمسك بالنشال، ويصيح حرامي، فتنهال اللكمات على النشال ويستسلم، ويتمنى تركه، حتى لا يسلم للاجهزة الامنية والتي كان فيها بعض الشرفاء آنذاك.. فيترك الضرب علامات فارقة على وجوه “النشالة”، بعضها دائم، تجعل وجوههم مشبوهة، فتؤثر على عملهم مستقبلاً، وبعضها وقتي، فيستراح “النشال” ليعود لعمله لاحقاً.
بعد منتصف التسعينات، ومعاناتهم الطويلة مع الضرب وشحة الاموال ابتدعوا فكرة جديدة، ولا اعرف صاحب براءة الاختراع هذه. ولعله اصبح يحضى باحترام بين “النشالين”، او احتسبوا له “نسبة” من عملياتهم، على اساس ما يحسب على مستخدمي “المسنجر”. ملخص الفكرة نزول مجموعة من النشالين بدل الواحد، فيختلقون اجواء مزدحمة او يضيفون ازدحاماً للازدحام اصلاً. فيسهل انتشال “الزوج” المستهدف. فان اكتشف المستهدف الأمر، وقام بامساك صاحبهم، فإنهم يخلقون جواً من الفوضى ليهرب صاحبهم.. وتطور امرهم، وبدأوا –إن اكتُشف امر صاحبهم- بالادعاء على “الزوج” بمحاولة السرقة، فيجتمعون على المسكين بالضرب. وبما ان الغلبة للجماعة، فالناس تصدق لانها ترى مجموعة من الناس تضرب “نشال”، وعلى اثر هذا الابداع المبتكر، بدأنا نرى وجوه النشالين تحسنت، وملامحهم غير التي كانت قبل منتصف التسعينات.
شاهد قصتنا، ان هؤلاء السياسيين عملهم تطور جداً. وتمكنوا من خلق اجواء اجتماعية تنحاز لصالحهم، واشتروا إعلاماً يصد الشبهات ضدهم، وتسقط خصومهم، فافسدوا كل شيء. فلم يفسدوا السياسة او الادارة فحسب، بل افسدوا عقل المجتمع، وضربوا وعيه، ووجهوه لحيث يريدون، فاصبح مجتمعنا لا يميز الناقة عن الجمل، او يصلي صلاة الجمعة في الاربعاء”]. انتهى
وقصة الناقة يرويها “المسعودي” في “مروج الذهب”.. (أن رجلاً من اهل الكوفة دخل على بعير له الى دمشق في حال منصرفهم عن “صفين”، فتعلق به رجل من دمشق فقال: هذه ناقتي أخذت مني بـ”صفين”، فارتفع امرهما الى معاوية، واقام الدمشقي خمسين رجلاً بينة يشهدون أنها ناقته، فقضى معاوية على الكوفي وأمره بتسليم البعير إليه، فقال الكوفي: اصلحك الله انه جمل وليس بناقة، فقال معاوية، هذا حكم قد مضى، ودس الى الكوفي بعد تفرقهم فأحضره وسأله عن ثمن بعيره، فدفع اليه ضعفه، وبره واحسن اليه، وقال له: أبلغ علياً أني أقابله بمائة الف ما فيهم من يفرق بين الناقة والجمل. ويضيف: ولقد بلغ امرهم في طاعتهم له ان صلى بهم عند مسيرهم الى “صفين” صلاة الجمعة في يوم الاربعاء، وأعاروه رؤوسهم عند القتال وحملوه بها، وركنوا الى قول عمرو بن العاص: إن علياً هو الذي قتل عمار بن ياسر حين اخرجه لنصرته، ثم ارتقى بهم الأمر في طاعته، الى أن جعلوا لعن علي سنة، ينشأ عليها الصغير.. ويهلك عليها الكبير).
عادل عبد المهدي