ليبيا.. الغرق في الفوضى
الصورة في ليبيا تبدو قاتمة وغامضة إلى الحد الذي لا يمكن لأي متابع أن يقبض على شيء من الحقيقة في هذا البلد العربي الذي تتصارع فيه قوى محلية وإقليمية ودولية من خلال مجموعات مسلحة، بعضها معروف الهوية والانتماء ومصادر التمويل، وبعضها ينبت فجأة كالطحالب، ويباشر عمله العسكري في هذه المنطقة أو تلك من دون أن نعرف كيف تحوّل في لحظة إلى قوة عسكرية، ويشتبك ويحتل مناطق هنا أو هناك، ثم يحمل اسماً لم يسبق لنا أن سمعنا به.
هذا يدل على فوضى عارمة تجتاح الساحة الليبية، وقدرة لدى من يستغلون هذه الفوضى، لتحقيق مصالحهم على اختراق هذه الساحة بسهولة مع توفر السلاح والمال.
الاشتباكات التي تفجّرت مؤخراً في العاصمة طرابلس، نموذج لهذه الفوضى، إذ ليس معروفاً كيف تفجّرت ولماذا، ومن يطلق النار على من، سوى ترديد أسماء لفصائل وكتائب وجيوش خرجت فجأة وبلا مقدّمات، وأخذت تهاجم وتحتل مواقع وتفرض شروطاً.
مثلاً، يقول الناطق باسم «الأمن المركزي»، إن قوات مشتركة من المدفعية والصواريخ التابعة للأمن، و«قوة الردع» و«النواصي»، يحاصرون كتيبة صلاح بادي في طريق المطار من أربعة محاور.
ويقول خبر آخر إن «كتيبة الحلبوس» اختفت فجأة من أماكن تواجدها في طرابلس، كما أن سياراتها ودورياتها اختفت، وكذلك عناصرها، بعد أن كانت تسيطر على حوالى ربع العاصمة.
من جهته أعلن «اللواء السابع» مشاة، سيطرته على طريق المطار، بعد أن دحر كافة الكتائب المسلحة الأخرى، ويقول هذا اللواء الذي يقال إنه جاء من مدينة ترهونة، ويضم عناصر موالية للزعيم الليبي السابق معمر القذافي، إنه «ينتصر لأجل ليبيا»، ويشترط على كل الميليشيات «الخروج من العاصمة طرابلس» لوقف الزحف، ومن غير المعروف من هو قائد هذا اللواء وبمن يأتمر.
هذا «اللواء» أعلن أنه يتبع حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج، إلا أن الحكومة نفت ذلك، وأعلنت حالة الطوارئ في طرابلس وضواحيها بسبب «خطورة الوضع الأمني»، واعتبرت أن ما يجري «يدخل في نطاق محاولات عرقلة عملية الانتقال السياسي السلمي، ويشكل إجهاضاً للجهود الدولية والمحلية المبذولة لتحقيق الاستقرار في البلاد».
الأمم المتحدة جهدت من أجل هدنة في طرابلس لم تصمد لساعات، وعقد ممثل الأمم المتحدة غسان سلامة الثلاثاء الماضي اجتماعاً موسعاً مع ممثلين عن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق ووزير الداخلية وضباط عسكريين وقادة المجموعات العسكرية المختلفة الموجودة في طرابلس، لمناقشة الوضع الأمني ووقف الأعمال العسكرية وحماية المدنيين.
في الجهة الأخرى من ليبيا، وتحديداً في الشرق، يقول اللواء عبد العزيز الناظوري، رئيس أركان الجيش الليبي الذي يقوده المشير خليفة حفتر، «لقد فزنا في بنغازي..والآن نذهب إلى طرابلس»، أي إلى مقر حكومة السراج. وأعرب الناظوري عن قناعته بأن الجيش الليبي الذي يضم حاليا 35 ألف جندي، «لن يواجه صعوبات كبيرة في طرد الميليشيات الإسلامية والقبلية من معاقلها في طرابلس ومصراتة وصبراتة».
الصورة كئيبة وتدعو للأسى، والمستقبل يبدو كالح السواد، والحديث الذي قيل عن وضع دستور جديد وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية أواخر العام الحالي، مجرد تمنيات، والمبعوث الأممي مسكين ومحاصر، ولا يملك إلا النوايا الحسنة..والميليشيا المعلومة والمجهولة تستبيح طرابلس وكل ليبيا، طالما الدول الطامعة والطامحة تتصارع على ثروات هذا البلد العربي.
نقلا عن الخليج