أعلى الاصوات والكتلة الاكبر
ان الفوضى والاختلافات في موضوعات الانتخابات والمفوضية وتعريف الكتلة الاكبر لها اسباب محددة، لكننا لا نريد ان نواجهها، او اذا واجهناها فاننا لا نتصدى لها بالشكل المتكامل. فدساتير دول العالم كلها فيها تناقضات ومواد غامضة تتطلب التفسير. والتعديلات والتفاسير المتعاقبة هي التي تعطي المرونة والحيوية للدساتير. فالتناقضات امر ملازم للدساتير لانها تعالج شؤون شعب ومجتمع وجماعات وحقوق وحريات، ودولة وحكومة. والشعوب والمجتمعات وقضاياها مملوءة بالمختلفات والتناقضات. فيسعى الدستور لتأسيس عقد يجمع بينها في وحدة تجعل الحلول السلمية والتوحيدية هي الوحيدة السالكة.. فلا خير بدستور لا يجمع التناقضات.. والمحكمة الاتحادية سلطة تفسير وليست سلطة التشريع لتلام، بل هذا من اختصاص الشعب والسلطة التشريعية.. فلا تلومونها فقط، بل لنلم انفسنا جميعاً.
1- طالبت المرجعية وقوى كثيرة بتغيير قانون الانتخابات، والذهاب لمبدأ اعلى الاصوات، ان لم يكن كلياً فنسبياً على الاقل. وجد الطلب صدى من قلة من القوى والاحزاب، نشير بالذكر منها رئاسة الجمهورية والتيار الصدري وبعض قوى تيار “شهيد المحراب” واخرى، وعارضته الاغلبية، او لم تتحمس له.. لانه أ) يقلل حظوظها ومقاعدها.. ب) وينهي السلوكيات غير المبررة لارقام عالية للزعامات.. ج) ويلغي تضخيم القوائم بضعف اعداد المقاعد المطلوبة.. ففي بغداد مثلاً بدلاً من ترشيح 65 نقوم بترشيح 130 مرشحاً، لن يفوز منهم سوى الاحاد. وستستفاد القائمة من اصوات اكثر من 100 مرشح.. عند ضرب ارقامهم بـ100 واكثر، فانه سيشكل رقماً عظيماً يضاف لرصيد القائمة. وهذه اشكالية لا تريد القوى والاحزاب ان تعطيها حقها في النقاش والفهم. فهي تقارن نفسها ببلدان واحزاب تطورت لديها الحياة الحزبية العلنية. فلا ترى بانها أ) تسيء للعلاقة بينها وبين الجمهور والكفاءات الحقيقية في البلاد..
ب) وبان الاحزاب في الدول الاخرى تديم علاقات بجمهورها مباشرة عن طريق المساهمة بالانتخابات الداخلية، او غير مباشرة عن طريق منظومات للرقابة ومؤسسات وتقاليد تساهم بتشخيص قيادات الحزب والمساهمة في خططه، بل واختيار مرشحيه للانتخابات.. وهذا لم ينمو عندنا بالشكل الكافي والناضج ليستطيع الحزب الكلام عن تمثيلية جماهيرية حقيقية.. فمعظم الجهد مع الجمهور عندنا تعبوي وفوقي وليس تفاعلي وقاعدي، رغم محاولات جرت وتجري، كما حصل في انتخابات 2010 (انتخابات جماهيرية او تمهيدية)، او كما رأينا من مساعي مخلصة للبعض لبناء علاقات صاعدة/نازلة بين الاحزاب والجمهور.
2- تم اقتراح وضع صندوق للاستفتاء بجانب صناديق الاقتراع لاجراء تعديلات دستورية يقرها مجلس النواب وفق المادة 142. وكان يمكن اجراء تعديل على المادة 76 لتكون الكتلة الانتخابية الفائزة هي الكتلة النيابية التي يكلف مرشحها بتشكيل الحكومة.. وعندما أهمل المقترح، تم اقتراح ادخال تعديلات في قانون الانتخابات والاحزاب والتحالفات، لتفرز الانتخابات اساساً الكتلة الاكبر المكلفة بتشكيل الحكومة. عندها أ) لن يبدو تفسير المحكمة متناقضاً، بل لن نحتاج لتفسير كما حصل في انتخابات 2005.
ب) وان يضغط على القوى والاحزاب للتحالف قبل الانتخابات، وليس بعدها..
ج) وان تكون الحكومة منتخبة من الشعب وليس من الاحزاب.
د) وان نبتعد عن المحاصصة وعن الصفقات والمصالح الخاصة والحزبية الضيقة.
هـ) وان نشكل ابتداءاً اغلبية سياسية تشارك فيها كل المناطق والمكونات، ومعارضة سياسية مماثلة.. و) وان تُختصر التوقيتات وتعلن الحكومة والرئاسات بعد الانتخابات بفترة قصيرة، خصوصاً بعد ادخال النظام الالكتروني.
3- لذلك ليس من العدل القاء كل اللوم مرة على المفوضية، ومرة على المحكمة الاتحادية، ومرة على الدستور، ومرة على الاخرين، دون ان نحاسب انفسنا اولاً.. فنحن نناقض انفسنا غالباً، ونحصد ما نزرع. ونحن على يقين بان الحق ابلج (منكشف) والباطل لجلج (ملتبس ومختلط)، وأملنا كبير بالعقول الناضجة وبالقوى والاحزاب والشخصيات الرصينة، والتي ضحت وتضحي ليحصل الشعب على حرياته وحقوقه. اما المتحزبون الذين يلون عنق الحق خدمة لمواقعهم ومصالحهم، فهم آفتنا الكبرى.
ففي النهاية “على المرء ان يسعى بمقدار جهده”، ولا يصح الا الصحيح، والله الموفق.
عادل عبد المهدي