نهج ترامب يتعارض مع رؤى فريقه حول سورية
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
قد تكون الحرب الأهلية الجارية في سورية على وشك دخول منعطف آخر نحو الأسوأ. ويقال الآن إن الحكومة السورية والقوات المتحالفة معها تحشد قواتها استعداداً لشن هجوم محتمل على محافظة إدلب الشمالية، وهي واحدة من آخر المناطق في البلاد التي ما تزال خارج سيطرة الحكومة. ويتمركز عشرات الآلاف من المقاتلين المتمردين هناك، بما في ذلك القوات المرتبطة بتنظيم القاعدة، إلى جانب نحو 3 ملايين مدني، الكثيرون منهم لاجئون من أجزاء أخرى من البلاد. ويمكن أن يعني هجوم يشنه النظام سقوط آلاف القتلى الإضافيين ودفع موجة جديدة من اللاجئين نحو البلدان المجاورة، وكذلك أوروبا. وفي الوقت نفسه، تعرِض جهود إيران لترسيخ وجودها في البلد خطر نشوب حرب مع إسرائيل.
ويبدو أن خبراء الأمن القومي في إدارة ترامب يدركون هذه الأخطار. ففي الأسبوع الماضي، قام وزير الخارجية الأميركية، مايك بومبيو، بتعيين دبلوماسي محنك كمبعوث خاص إلى سورية، مكلف بإحياء عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة. وفي إيجاز إعلامي، قال مسؤولون أميركيون كبار للصحفيين إن القوات الأميركية المتمركزة في شرق سورية لن تغادر في أي وقت قريب، وأصروا على أن مساعدات إعادة الإعمار للمناطق التي تسيطر عليها الحكومة ستُحجب حتى يتم التوصل إلى عملية سياسية مقبولة. وفي يوم الأربعاء الماضي، حذر مستشار الأمن القومي، جون بولتون، نظام بشار الأسد علناً من مغبة استخدام الأسلحة الكيميائية في أي هجوم جديد، وقال أن الولايات المتحدة مصممة على “التعامل مع وجود الإيرانيين” في سورية.
قد تواجه أي إستراتيجية أميركية في سورية عقبات حادة، بما في ذلك مكائد روسيا التي تدعي أنها تريد كبح جماح النظام وإزاحة الإيرانيين، لكنها تقوم في الواقع بتحريضهما كليهما. ومع ذلك، فإن المشكلة الفريدة في سياسة الولايات المتحدة هذه هي أنها تتعارض مع المواقف المعلنة للرئيس ترامب. فقد أعلن الرئيس ترامب مراراً وبكل حزم أنه يرغب في سحب القوات الأميركية من سورية في أقرب وقت ممكن. كما أصر على إلغاء مساعدات إضفاء الاستقرار التي تقدمها الولايات المتحدة للمنطقة التي تنتشر فيها تلك القوات. وبعد اجتماع خاص مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي في الشهر الماضي، بدا أنه يؤيد خطة روسيا لإعادة الإعمار، والتي لا ترتبط بأي عملية سلام.
في جوهر الأمر، يحاول مساعدو السيد ترامب إقناعه بدعم الوجود الأميركي في سورية، بينما تتم ممارسة الضغط على روسيا بدلاً من استرضائها. وهي سياسة معقولة -أو أنها الأفضل بين مجموعة من الخيارات السيئة على الأقل- لكن مقاومة الرئيس تعني أن فرصها في العمل ضئيلة.
من أجل استرضاء وتهدئة الرئيس ترامب، جمع المسؤولون الأميركيون مبلغ 300 مليون دولار من المملكة العربية السعودية وحلفاء آخرين من أجل تحقيق الاستقرار في المنطقة المحيطة بمدينة الرقة الشرقية، عاصمة “الدولة الإسلامية” السابقة التي تسيطر عليها الآن القوات الكردية والعربية المدعومة من الولايات المتحدة. وهو أكبر من مبلغ 230 مليون دولار التي أصر الرئيس ترامب على إلغائها. لكن تغريدة الرئيس التي أرسلها بعد ذلك كشفت مرة أخرى عن وجهة نظره الكامنة -حيث وصف هذه المعونة الأميركية بأنها “سخيفة”، وهو شيء من غير المرجح أن يلهم الثقة في الالتزامات الأميركية الأخرى. وكما هو واقع الحال، بدأ الأكراد، الذين هم على دراية تامة بعدم استقرار الوجود الأميركي في سورية، بالتفاوض مع نظام الأسد حول تسوية تتم خارج عملية الأمم المتحدة. كما أبرمت إسرائيل مُسبقاً اتفاقها الخاص مع روسيا لإبعاد القوات الإيرانية عن حدودها.
إن ما تفهمه كل الأطراف في سورية ليس مجرد وجود نقص في عزم الولايات المتحدة. وإنما ترى هذه الأطراف أيضاً أن الإدارة لم تكن قادرة حتى على صياغة استراتيجية واضحة للدفاع عن المصالح الأميركية في سورية -بفضل سوء إصدار الأحكام لدى الرئيس ترامب.
“واشنطن بوست”