إدلب بين المطرقة والسندان
علي قباجه
إدلب الخضراء كما يُطلق عليها محلياً؛ لكثرة أشجار الزيتون فيها رمز المحبة والسلام؛ تلك المحافظة، التي يبلغ عمرها آلاف السنوات، والتي مرت عليها حضارات عدة، شيّدت فيها تاريخاً لا تزال آثاره منتشرة بين جنبات مدنها؛ حيث إنها تحتوي على ثلث الآثار السورية، باتت اليوم تتربع المشهد العالمي؛ حيث لا تكاد تخلو نشرة أخبار من الحديث عنها، وعمّا سيؤول إليه مصيرها، في ظل استعداد عسكري وإعلامي غير مسبوق من قبل النظام السوري؛ للتوجه إلى هذه المحافظة، التي أصبحت ملاذاً لكل من رفض المصالحة، إلى جانب أنها باتت معقلاً ل«جبهة النصرة» الإرهابية وفلول الإرهابيين الآخرين من المرتزقة الأجانب، كما أنها تكتظ بعدد مهول من السكان، وهو ما يضع نقاط استفهام عدة حول المصير، الذي ستتعرض له في قادم الأيام.
إدلب تعيش بين مطرقة النظام الذي أنهت قواته بدعم روسي كبير عملياتها على امتداد الخريطة السورية، ولم يتبق لها سوى هذه النقطة، وسندان التنظيمات المُقيمة على أرضها، والتي أعلنت أنها ستخوض معركة دامية، ولن تأبه للخسائر التي ستتعرض لها، وأخذت تعد العدة لذلك. وبين طرفي الصراع على مدى السنوات الثماني المنقضية، يضع أبناء إدلب أياديهم على قلوبهم، مترقبين مصيراً مجهولاً، قد يقذف بهم في أفضل الاحتمالات بين أمواج البحر المتلاطمة؛ في حال اشتد وطيس المعركة بين طرفي الصراع.
ورغم التحذيرات، التي تصدر من عواصم عالمية عدة، والمناشدات والاستغاثات الدائمة على امتداد الكرة الأرضية، لعدم تعريض حياة ملايين السكان في تلك المحافظة للتهلُكة، إلا أن طرفي الصراع عقدا العزم على خوض تلك المعركة برؤيتين متباينتين؛ فالنظام يرى فيها أنها تتوج عملياته العسكرية خلال السنوات الثماني الماضية، لا سيما أنه في حال السيطرة عليها، ستتوقف الحرب السورية؛ لأنها تمثل التراجيديا الأخيرة في ذلك المسلسل الدامي، بينما ترى المجموعات المسلحة بأن إدلب هي المحافظة الوحيدة، التي بإمكانها أن تُنشئ فيها دولتها، وتطرح فيها أفكارها، مستفيدة من العمق التركي الداعم لها، إلا أن الرؤيتين تظلان محكومتين برؤية دولية تتخطاهما، لا سيما أن إدلب هي عقدة الحل للمشهد السوري، والتي إن أغلق ملفها؛ فإن الحرب ستولي أدبارها عن الأراضي السورية.
المشهد السوري ينبغي أن يُنظر إليه بعين حاذقة فأي فعل متهور من أحد الأطراف قد يُلقي بظلاله على العالم بأسره في حال اشتعل فتيل الحرب في إدلب؛ وهو ما تسعى الدول الضامنة لتجنبه؛ عبر تفاهمات بينها؛ حيث تم التعديل على الورقة التركية الأخيرة بشأن الحل، وهو ما جعل أنقرة تسارع إلى تشكيل ما يُسمى ب«الجبهة الوطنية للتحرير» لمحاربة «جبهة النصرة» فرع «القاعدة» في سوريا، كما أن روسيا لن تقبل إلا بالسيطرة على الطريق الدولي بدءاً بجسر الشغور بوابة إدلب الغربية مروراً بأريحا وسراقب لتتصل بمدينة حلب ما يؤمن طريق حلب اللاذقية الذي ستستفيد منه القوات الروسية المتواجدة في قاعدة «حميميم». وربما بات مصير المدينة قاب قوسين أو أدنى خاصة مع النية بإغلاق معبر أبو ضهور، فهل سيكون مطلع شهر سبتمبر/أيلول بداية الحل في إدلب؟
“الخليج”