الخروج من «الجلباب الإيراني»
صب الإيرانيون جام غضبهم على رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، لأنه أعلن موقفاً يخالف توجهات المعركة السياسية والاقتصادية التي يخوضونها ضد الولايات المتحدة، عندما أكد أن العراق لن يخالف العقوبات المفروضة على طهران، وسيلتزم بها، وإن لم يعلن تأييده لهذه العقوبات، على اعتبار أن بلاده مرت بمراحل مشابهة، لكن هذا الموقف لم يشفع له عند النظام الإيراني الذي حرّض الفصائل السياسية في العراق المؤيدة له، على إطلاق حملة شعواء ضده، ولم يكتف بذلك، بل سخّر إعلامه للهجوم عليه، ما أدى إلى إلغاء زيارة مجدولة كان من المفترض أن يقوم بها إلى طهران مؤخراً، ما اضطر العبادي إلى التراجع عن موقفه، مؤكداً أن تصريحاته أسيء فهمها، وأخرجها الإعلام عن سياقها.
لم تكن خطوة إلغاء الزيارة سوى انعكاس للاستياء الرسمي، والإعلامي الإيراني من المواقف التي اتخذها العبادي، فوسائل الإعلام الإيرانية، وبتوجيهات من مرجعياتها السياسية والدينية، كثفت هجومها العنيف عليه، معتبرة إياه «جزءاً من المعسكر الأمريكي في العراق»، حتى إن النائب في البرلمان محمود صادقي، طالب العراق بدفع 1100 مليار دولار غرامة عن أضرار الحرب الإيرانية العراقية.
المواقف الإيرانية المتشنجة الموجهة ضد العراق والعبادي، عبرت عن ضيق من الرفض الشعبي في الداخل العراقي للخروج من «الجلباب الإيراني»، والانطلاق نحو استعادة القرار الداخلي، وألا يتم تجييره لمصلحة إيران، الراغبة في توسيع ساحة المواجهة مع أعدائها لتشمل ساحات أخرى، وباتت تتعامل على أن العراق واحدة من هذه الساحات، كما هو الحال في سوريا، بعدما أصبحت طهران مؤثرة في القرار السياسي والعسكري في هذا البلد خلال السنوات الأخيرة.
الخروج من «الجلباب الإيراني»، رغبة تتزايد في أوساط العراقيين، تعززها وقائع وشواهد عدة على الأرض، فهناك قوى سياسية واجتماعية، وحتى دينية، صارت تفصح عن مواقفها الرافضة للهيمنة الإيرانية على القرار السيادي في العراق تحت مسميات شتى، ويبدو زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في طليعة الشخصيات التي تتصدى للشهية الإيرانية في تحويل العراق إلى مجرد تابع لنظام الملالي، والتحكم في قراره وسيادته، عبر نزع القدرة على اتخاذ أي قرار من دون الرضى الإيراني.
وفي الأسابيع القليلة الماضية، تنامت حدة المعارضة للهيمنة الإيرانية على القرار العراقي، وشاهدنا الكثير من الشعارات التي ترفع في التظاهرات التي اندلعت، ولا تزال قائمة في أكثر من منطقة عراقية، تطالب بإنهاء النفوذ الإيراني في البلاد، والخروج من توابع الانقياد وراء الأحزاب والجماعات التي تريد إبقاء البلد رهينة في أيدي نظام الملالي في إيران، ومن بين هذه الجماعات ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وتحالف الفتح الذي يقوده هادي العامري، حيث حل تحالفه في المركز الثاني في الانتخابات التي شهدتها البلاد في الثاني عشر من مايو/ أيار الماضي.
وتدرك إيران أن العراقيين لن يقبلوا بالبقاء تحت الوصاية الإيرانية لأمد طويل، وستكون هناك مرحلة لنفض الغبار عن هذه الوصاية، وبالتالي الخروج من هذا الجلباب، وعودة العراق لاعباً مؤثراً في محيطه العربي والإقليمي، كما كان في الماضي القريب.
نقلا عن “الخليج”