حروب ترامب
صادق ناشر
ضم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخراً تركيا إلى قائمة المعاقبين اقتصادياً، لتكون آخر دولة يتخذ ضدها إجراءات من هذا القبيل، لتنضم إلى الدول المفروض عليها عقوبات، ليس أولها أمريكا الشمالية، ولن تكون تركيا آخرها، فوفقاً لهذه السياسة تبدو دول كثيرة مرشحة لنيل هذا «العقاب الترامبي».
لم يترك ترامب حتى الأصدقاء والحلفاء لينالوا من غضبه، فإذا أدركنا أن للعقوبات ضد إيران أسبابها الوجيهة، فماذا عن تركيا، العضو مع الولايات المتحدة وأوروبا في حلف «الناتو»، والأقرب إلى واشنطن خلال العقود الماضية نتيجة للخدمات التي قدمتها للحلف وللولايات المتحدة؟ ماذا عن روسيا، التي تتجدد العقوبات ضدها بين الحين والآخر؟، وماذا عن الصين، الدولة الاقتصادية الكبرى؟ بل حتى أوروبا التي أعلنت الولايات المتحدة تعرض شركاتها العاملة في إيران لعقوبات في حال لم تلتزم بالقرارات الأمريكية، والحال نفسها ينطبق على كندا والمكسيك وبالطبع كوبا وفنزويلا وغيرها من دول العالم.
حروب تجارية وأخرى سياسية يخوضها ترامب ضد خصومه وحلفائه معاً، أظهر معها الولايات المتحدة دولة تعادي الجميع، فمنذ وصوله إلى البيت الأبيض مطلع عام 2017، أبقى ترامب على الأعداء وخسر المزيد من الأصدقاء، فانضم الكثير من الدول إلى قائمة خصوم الولايات المتحدة. والحرب التجارية التي يخوضها اليوم، خاصة ضد الصين والاتحاد الأوروبي بفرض الرسوم التجارية، دليل على رغبته في إبقاء العالم منشغلاً بهذه الحروب.
دولة واحدة فقط لا يغضب عليها ترامب ولا يقترب منها، هي بالطبع «إسرائيل»، إذ لا يكتفي بعدم معاقبتها، بل ويفرض المزيد من الإجراءات لحمايتها، ومعظم السياسات التي يتخذها تصب في خدمة بقاء «إسرائيل» دولة قوية. فمعظم ما يحدث في جوار دولة الاحتلال تقف خلفه الولايات المتحدة، أو على الأقل تشجعه، خاصة الدمار الذي يحدث في سوريا، والفوضى التي يشهدها العراق، وتوج ذلك بقراره الذي لم يتجرأ أي رئيس أمريكي باتخاذه، والقاضي بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، مع إدراكه أن هذا يفجر غضباً عارماً في العالمين العربي والإسلامي.
قد يرى البعض أن حروب ترامب الاقتصادية بمثابة عصا غليظة يستخدمها ضد الأنظمة المعارضة له ولسياسة بلده، لكن ما نشاهده اليوم قد تجاوز هذا المفهوم، فالعقوبات التي يقوم بفرضها كل يوم، تشمل طابوراً من الدول، حتى تلك المحسوبة تاريخياً بأنها صديقة للولايات المتحدة، كان آخرها تركيا، كما أن المرونة التي أبدتها كوريا الشمالية مؤخراً في المحادثات مع الولايات المتحدة لم يشفع لها في تخفيف العقوبات التي تفرضها عليها منذ مدة طويلة، بل إنها استمرت على نفس الوتيرة، ولم ينفع قرب دول الاتحاد الأوروبي من الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الأولى، فقد خضعت شركاتها العاملة في أكثر من مكان آخرها إيران، هي الأخرى لعقوبات، فضلاً عن فرض رسوم على بعض الصناعات الأوروبية، ما يهدد بتحول حقيقي في العلاقة بين الجانبين.
والسؤال هو: إلى أين يسير ترامب بالولايات المتحدة؟ وهل يأتي وقت يقوم فيه بمراجعة حروبه الاقتصادية مع العالم، أم أنه يقوده إلى مزيد من المواجهة؟
نقلا عن “الخليج”