هل بدأ ترامب ونتانياهو تنفيذ «صفقة القرن»؟
بشير عبد الفتاح
مع خفوت الجدل في شأن «صفقة القرن»، تتسارع وتيرة جهود الإدارتين الأميركية والإسرائيلية لتحويل مخططات تلك الصفقة إلى إجراءات عملية بغية فرض واقع جديد ونهائي على الأرض، يسطر بدوره نهاية مأسوية اختزالية للقضية الفلسطينية، وسط صمت دولي وعجز وارتباك عربيين.
ففي مسعى منها لتقنين المخططات الإسرائيلية الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية، شرعت واشنطن في نسج خيوط مخطط الصفقة المريبة مع انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، وتشكيل طاقم إدارته، الذي تصدره صهره جاريد كوشنير، ومبعوثه الخاص لعملية السلام جيسون غرينبلات، والسفير الأميركي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، والذين أقدموا على هندسة مشروع الصفقة بالتعاون والتنسيق مع سفير إسرائيل لدى واشنطن رون ديرمر، علاوة على نخبة مِن مسؤولين سابقين وخبراء في شؤون الشرق الأوسط من أمثال دينس روس ومارتن أنديك.
وبدأ التحرك الأميركي لترسيخ الأمر الواقع بقرار ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بالأخيرة عاصمة لإسرائيل. وهذا القرار لم يكن ليمهد السبيل لإيجاد حل لمعضلة إنسانية تاريخية طالما أرهقت العالم أجمع بحسب قناعة ترامب نفسه، بقدر ما شجّع حكومة نتانياهو على تكثيف انتهاكاتها بحق الفلسطينيين عبر التوسع في الأنشطة الاستيطانية، والتغول في شن حملات التوقيف والاعتقال، والإمعان في هدم المنازل والمنشآت في القدس والضفة ومصادرة الأراضي. حتى أن صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية أوردت في وقت سابق من الشهر الجاري، أن الفلسطينيين لم يتحصلوا إلا على أقل من نسبة 1 في المئة فقط من أرضهم التاريخية، فمقابل كل دونم تمكنوا من استعادته بالدماء والمعاناة وشق الأنفس، كان النشاط الاستيطاني المحموم يلتهم وحده 370 دونماً.
وقبل أيام، وبتأييد 62 صوتاً مقابل 55، قطعت حكومة نتانياهو شوطاً هائلاً على درب وضع الفلسطينيين والعالم برمته أمام الأمر الواقع الكارثي بتنفيذ صفقة القرن المشؤومة، حينما أقر الكنيست قانون «الدولة القومية للشعب اليهودي» والذي ينص على أن إسرائيل هي دولة اليهود، وأن غيرهم من سكان هذه الدولة ليس لهم حق تقرير المصير.
وينص ذلك القانون على أن العطل الرسمية المعتمدة في الدولة هي عطل اليهود فحسب، مشدداً على أن اللغة الرسمية هي العبرية، بينما نزع هذه الصفة عن اللغة العربية، فيما كانت اللغتان تستخدمان من قبل في الوثائق والمؤسسات الرسمية. واعتبر القانون نفسه تطوير الاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة قيمة قومية، ومن ثم يتعين على الحكومات الإسرائيلية تشجيعه والتوسع فيه مهما كانت الضغوط أو التحديات، وبغض النظر عن أية كوابح قانونية أو قيود سياسية وأخلاقية. ولم يتوان القانون ذاته عن تأكيد أن القدس «عاصمة إسرائيل الموحدة والأبدية». وأسقط ذلك القانون الصهيوني حق العودة لقرابة ستة ملايين من اللاجئين الفلسطينيين المبعثرين في أرجاء المعمورة، وشجع في المقابل على هجرة اليهود إلى أرض فلسطين.
ووفق هذا القانون، فإن عرب 1948 الذين يشكلون 20 في المئة من سكان إسرائيل؛ البالغ عددهم 8.5 مليون نسمة، تكرس النظر إليهم كأقلية وباعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية. ورأى عضو الكنيست آفي ديختر، صاحب مشروع القانون الجائر، أنه حقّق رغبة مؤسس الحركة الصهيونية تيودور هرتزل قبل 121 عاماً في مؤتمر بازل، ناصحاً النواب العرب بالكنيست بأن يتوسلوا وذويهم من عرب إسرائيل المساواة كأقلية لا كقومية. وبإمعانه في العنصرية وانتهاك الشرعية الدولية بهذا المستوى من الفجاجة، يتناقض قانون القومية الإسرائيلي الأخرق مع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم ٢٧٣ لعام ١٩٤٩، والذي اشترط على إسرائيل تنفيذ قرارها المعني بعودة اللاجئين الفلسطينيين رقم ١٩٤ لعام ١٩٤٩واحترام الوضع الخاص لمدينة القدس، لقبول إسرائيل عضواً في منظمة الأمم المتحدة. ولا شك أن انتهاك إسرائيل شروط العضوية في المنظمة الدولية الأممية مِن شأنه أن يحرمها من الحق في إقامة الدولة والعضوية في المجتمع الدولي.
وبتعمد نصه الإشارة المتكررة لمصطلح «أرض إسرائيل» بدلاً من «دولة إسرائيل»، يرمي قانون القومية العنصري إلى طمس ملف الحدود عبر التمهيد لضم الضفة الغربية إلى دولة إسرائيل بعد القدس بما يقوض أية فرصة لإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
الأمر الذي دفع الجامعة العربية إلى تأكيد أن هذا القانون يأتي في سياق حزمة القوانين الهدامة التي أقرها الكنيست الإسرائيلي أخيراً بغية تمهيد السبيل لضم الضفة الغربية وشرعنة الاستيطان لفرض أمر واقع مغاير ومناقض لما أقرّته الشرعية الدولية، فيما رأت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حنان عشراوي، أن هدف ذلك القانون هو القضاء على الوجود الفلسطيني، إذ يمهد لتقنين عملية الإبادة الجماعية للفلسطينيين بعد انقضاء سبعين عاماً على إقامة الدولة القومية الصهيونية لليهود.
وطالما ظل الموقف العربي والدولي حيال المساعي الأميركية والإسرائيلية لتنفيذ مخطط صفقة القرن أسيراً للسلبية والفرقة واللامبالاة والانشغال بقضايا خلافية عالمية وإقليمية أخرى، تبقى الأبواب مفتوحة على مصاريعها أمام نجاح تلك المساعي في تحقيق مآربها على المدى المنظور.
نقلا عن “الحياة اللندنية”