اراء و أفكـار

جديد في العراق

بعد ثلاثة أسابيع على انطلاق الاحتجاجات الشعبية في العراق، يبدو أن الثقة بين المتظاهرين الذين يمثلون السواد الأعظم من العراقيين، وبين الحكومة معدومة والعلاقة السوية غير قائمة أساساً.
فالاحتجاجات التي بدأت في البصرة ومدن جنوبي العراق بدأت تأخذ منحي تصاعدياً وتمتد شمالاً وصولاً إلى بغداد، والشعارات المطلبية التي رفعت بداية مثل تأمين الكهرباء والماء ووضع حلول للأزمات المعيشية الطاحنة، بدأت تتسع وسقف مطالبها يزداد وصولاً إلى رفع شعارات سياسية.
المشكلة أن الحكومة تحاول تطويق الحراك الشعبي، بإصدار قرارات واتخاذ إجراءات لا تلبي مطالب المتظاهرين وهي أشبه «بحبة أسبرين» لمعالجة مرض عضال يتمثل بالفساد الذي يضرب كل المؤسسات والإدارات، ما يجعل من أي حل لا يقترن باقتلاع الفساد من جذوره؛ مجرد مخدر لا يقدم علاجاً أو يحل مشكلة من المشاكل التي تتراكم في بلد نفطي لا تعوزه الثروة ولا الخبرة ولا القدرة، إذا ما أراد أن يبني ما دمرته الحرب ضد الاحتلال الأمريكي وضد الجماعات الإرهابية.
لم يعد الحراك مجرد «هوجة»، تعبيراً عن سخط شعبي طلباً لحقوق مهدورة، بل أصبح منظماً من خلال تنسيقيات تتولى تحديد الأهداف والخطوات، لئلا تقع في أخطاء تحرفها عن أهدافها أو تقودها زمر تخريبية، أو تمتطيها جماعات معينة لتحقيق مكاسب لا علاقة لها بالمطالب الشعبية، كما حصل في حراكات شعبية عربية جرت خلال السنوات القليلة الماضية كانت تفتقد إلى التنظيم وبرنامج عمل، ما أدى إلى وثوب جماعات الإسلام السياسي عليها، وتحويلها إلى مطيّة للوصول إلى السلطة.
لقد رفعت «تنسيقيات المحافظات الجنوبية» في دعواتها للتظاهر من المطالب الشعبية بالدعوة «لإسقاط الأحزاب وحظر عملها السياسي وإعادة كتابة الدستور» من منطلق أن هذه الأحزاب التي شاركت في الحكم على مدى السنوات الماضية منذ الاحتلال الأمريكي وما بعده، كانت أيضاً شريكة في عملية نهب العراق، وفي الفساد الذي استشرى وتحوّل إلى نمط حكم عفن، أكل الدهر عليه وشرب. كما أن الدستور الحالي الذي يقوم على المحاصصة؛ لا يصلح لأن يكون دستور العراق العربي الملتزم بقضايا أمته، أو عراق الطوائف والمذاهب والقوميات الذي يتم تقاسمه وكأنه قطعة جبنة، لذلك فإن مطلب كتابة دستور جديد هو مطلب وطني بامتياز لا يقل أهمية عن توفير الكهرباء والمياه والقضايا المعيشية الأخرى، لأنه يؤسس لعراق جديد، عراق وطن كل العراقيين لا ميزة فيه لمواطن على الآخر إلاّ بعمله وجهده وولائه للعراق.
العراق أمام مرحلة نهوض شعبي عابر للطوائف والمذاهب، لعله يسطّر تاريخاً جديداً للعراق، مستفيداً من تجارب السنوات المرة والأليمة التي مر بها، وخصوصاً سنوات القتل والذبح والدمار على أيدي «الدواعش»، ومن حكم أحزاب طائفية نشرت الفساد والتجزئة والتقسيم. ولعل الأزمة السياسية التي نجمت عن الانتخابات الأخيرة تكون بداية لعمل تغييري جدّي، من خلال الرافعة الشعبية التي تتحرك الآن في مختلف المدن العراقية.

“الخليج”

مقالات ذات صلة