هل الانقضاض على النظام ممكناً؟
تطلق الازمات المتكررة وفشل الحكومات في شؤون كثيرة.. ووجود قوى معادية للنظام، والاموال والتأييد الداخلي والخارجي.. والمشاريع لمحاصرة ايران، ونظرية “الدومينو” وتداعياتها العراقية، تصورات وهمية وقراءات خاطئة. فالانقسامات والفوضى في بداية الثورة الاسلامية اغرت صدام بالحرب، فخرجت ايران اقوى، وقادت تداعيات الحرب لسقوط صدام.. وشجعت المظاهرات السورية القوى المحلية والدولية لرفع السلاح، فبقي النظام وانهارت تلك القوى.. ولم ترَ المعارضة العراقية ان “علة وجود “النظام Raison d’ être، ما زالت قائمة، رغم الهزيمة في الكويت وتذمر الناس، فكانت خيمة صفوان واستعاد النظام قوته، حتى اسقطه الاجتياح الامريكي. فالخلافات والفشل ومواقع التواصل والاعلام لا تسقط بمفردها الانظمة.. فبقاء وسقوط الانظمة يتعلق بعوامل التعبئة الكلية لها او عليها مثل: أ) مجيء قوة قادرة على دحر النظام والمحافظة على زخمها.. ب) تفكك قوى النظام وتهاوي مرتكزاته.
ما زال النظام الحالي –بكل ازماته- اكثر تعبئة وقوة من الداعين لاسقاطه. وان موجات الاحتجاج لها حيثياتها وقواها وعواملها ومعالجاتها. وان التصورات الوهمية والقراءات الخاطئة لن تنفع احداً، خصوصاً القائلين بها. اكتب منذ فترة طويلة –في المسؤولية وخارجها- عن ازمة الحكم، وعن المآلات الخطيرة لاستمرار اللامبالاة بحقوق الشعب، وتغلب نظرية السلطة على نظرية نجاح الدولة.. في 19/2/2013 كتبت “الشيعة نجحوا في التأسيس وفشلوا في الادارة، والسنة فشلوا في التاسيس ونجحوا في الادارة”، وهذا نصها:
[“مع الانتداب البريطاني، تسلمت النخبة العربية العثمانية حكم البلاد.. أُسس الجيش (1920) قبل تأسيس الدولة (1921).. واعتمد دستور 1925 نظرية النخبة والطبقة والجيش وليس حكم الشعب ومبادىء التعددية.. فجاءت اول وزارة خالية من الشيعة.. واسست التابعية العثمانية كمواطنة اولى ليوسم بالتبعية غيرها.. ودخل الحكم في صراع مبكر مع الاشوريين.. واعتمد الجيش لقمع ثورات الفرات وكردستان.. بالمقابل حملت الادارة الكثير من التقاليد العثمانية المتقدمة، مطعمة بمبادىء انكليزية حديثة، مما سمح ببدايات دولة عصرية ونظام خدمة متقدم.. والتي لو سُمح لها بالبقاء لتقدم العراق على معظم دول المنطقة. لكن عوامل التأسيس التي اريد بها قوة النظام صارت وبالاً عليه.. فانقلب الجيش على حكوماته.. ونمت العوامل الجنينية لتنتج نظاماً دكتاتورياً عنصرياً طائفياً زج البلاد في الحروب الداخلية والخارجية.. وهو ما قاد لتجارب وتضحيات مأساوية.
جاء الامريكان واحتلال العراق والادارة المدنية وفكرة المجمعات الانتخابية.. فتصدت المرجعية بقوة، واستطاعت قلب المعادلة.. والذهاب لانتخابات مباشرة. فساهمت قوى شيعية وكردية أساساً، مع قوى سنية وتركمانية ومسيحية واخرى، لكن اقل تأثيراً، في إعداد دستور، يعتمد مبدأ حكم الشعب والنظام البرلماني واللامركزية والفيدرالية.. فكان تأسيساً استحضر الماضي ونظر للمستقبل، وتعامل مع الاحداث بعقلانية.. فاغلق الباب امام الاحتلال مطالباً بالسيادة وانسحاب القوات، وهو ما تحقق.. وانفتح على “الشريك المقاطع”، وميز بينه وبين الارهاب، العدو الاول للشعب كله، فتحققت المشاركات الانتخابية المليونية لجميع المحافظات. وخلاف التأسيس الناجح فشلت الادارة هذه المرة.. اذ طغى عقل المعارضة لا عقل الدولة والتأسيس.. واصبح احتلال المواقع والبقاء فيها اهم من النجاح في الدولة وبنائها.. فدولة دستورية ديمقراطية اتحادية لا تدار ببناءات وعقليات وتشريعات دولة قامت على اسس تناقضها تماماً.. فنمى الفساد والمحاصصة والعسكرة وغيرها من امور عطلت البلاد ولم تنصف العباد.
فالتأسيس الخاطىء يرتد وينتج ادارة فاشلة.. والاخيرة تنقّض على التأسيس الناجح وتعطله.. والمطلوب –اليوم- ان ينجح الجميع في الاثنين معاً.. وسيسأل سائل واين موقف الاكراد كمكون ثالث؟ وتصورنا انهم سيكونون اوفياء لشروط التأسيس.. وقدموا –رغم النواقص- برهانهم لادارة ناجحة للاقليم، مع ملاحظات للعلاقة بالاخر وبالحكومة الاتحادية.
فشروط النجاح قائمة عقلاً وموضوعاً، لو ازيحت، او حيدت على الاقل، تأثيرات الضغط الارهابي والتدخل الخارجي والعوامل الذاتية.”] فلنضع لكل امر نصابه. فالدعوة لالغاء (وليس تصحيح) الدستور والبرلمان والانتخابات والحياة الحزبية.. وتجاهل حريات وحقوق المواطنين.. ومتطلبات الحكومة الناجحة.. وإلغاء القوى الامنية الشعبية.. والترويج لحكم عسكري، تمهد للقضاء على “علة وجود” النظام، وإن نجاحها او فشلها سيقرر امكانية الانقضاض من عدمه.
عادل عبدالمهدي