ملف الديون .. شعبنا ليس جاهلاً وهمجياً.. والمخلصون كثرة
اكتب يومياً افتتاحية في “العدالة” التي اسستها عام 2003.. وعندما طلب مني شهيد المحراب قُدس سره ان تكون جريدة “المجلس الاعلى”، شرحت اهمية بقائها مستقلة، فاسس المجلس “الاستقامة”. ولأن الافتتاحية تُنقل لـ”الفيسبوك” والمواقع والصحف، فان كثيرين يسالون محقين.. ولتعذر الاجابة، شرحت مراراً، بانني ساجمع الملاحظات واعلق عليها بافتتاحيات. هناك مزورن يصدقون اكاذيبهم. واخرون يرددون، هذا شعب جاهل وهمجي. وهذان وجهان لعملة واحدة.. ظلم من يعمل خيراً، وظلم شعب عظيم ومضحي وواعي، فهولاء بطرفيهما يسمعون الضجيج والصراخ ويجهلون انه ضجيج الحركة وصراخ الوليد، ويرون الاخطاء والدماء، ويجهلون انها اخطاء العاملين والمخاضات الكبرى.
يسأل البعض عما فعلته عندما كنت مسؤولاً؟ لاشك ارتكبت اخطاء تتعلق بضرورات العمل، لكن بالمقابل وبعيداً عن التبجح والضجيج، واظهاراً للحقيقة التي لا تخصني فقط بل تخص كثيرين غيري، أطرح –كمثال عند تسلمي المالية في حزيران 2004، في حكومة علاوي التي أُعطيت صلاحيات تشريعية- ملفاً حققنا فيه منجزاً لم يحققه غيرنا في العراق، ولا في اية دولة اخرى.
كان معلوماً ان عهد الحكومة سينتهي بعد اشهر باجراء الانتخابات. طلبت في الجلسة الاولى لمجلس الوزراء، تخويلي كوزير للمالية المسؤولية والصلاحيات الكاملة للملف، الذي كانت تتنازعه العدل والتخطيط والخارجية والمالية. فصدر أمر رئيس الوزراء (مع حفظ الالقاب)، وبقي دعمه ونائبه برهم صالح وبقية الوزراء اساسياً للنجاح. طلبت من وكيل الوزارة عزيز جعفر اللقاء في عمان بالشركات العالمية المختصة بالاستشارات القانونية/المالية، واتُفق مع شركة “كليري كوتليبCleary Gottlieb “. وبالفعل اجتمعنا في تموز بداري في الكرادة بـ”لي بوشيهBuchheit Lee”، الخبير الكبير للشركة، وقسمنا الدائنين.. أ) دول نادي باريس، فالاتفاق معها مقدمة للاخرين.. ب) بقية الدول.. ج) الشركات.. د) دول الخليج. وعملنا ( المالية والمركزي) كفريق باعلى درجات المهنية والتعاون. ترأست فريق العمل الذي ضم الشبيبي وعزيز جعفر ومظهر محمد صالح وأحمد البريهي واخرين، والعراقي كاظم العيد الخبير السابق في صندوق النقد متبرعاً.
حتى ذلك الوقت لم يتدخل الامريكان او غيرهم، مع الاقرار انه لولا مساعدتهم وغيرهم لاحقاً لما استطعنا انجاز هذه المهمة المعقدة. اتفقنا على 80% كتخفيض، وطالبنا بـ90-95%، وكلاهما خارج شروط نادي باريس، الذي لا يعطي لدولة متوسطة الدخل اعفاءاً يتجاوز 60% تقريباً.
كانت امامنا مهمتان اساسيتان: أ) تسوية حجم الديون Reconciliation مع الدائنين دولاً وشركات، وكلفنا مؤسسة “ارنست اند يونك” بالمهمة، وكان حجمها حوالي 120 مليار دولار.. ب) انجاز سلسلة اجراءات معقدة مع “صندوق النقد” وصولاً لـ”ترتيبات الانتظار” SBA كشرط لنادي باريس. كانت اجتماعاتنا ومخاطباتنا يومية، وتفاصيلها ووثائقها تحتاج لمجلدات. توزع الفريق مهامه. ولأن “المالية الفرنسية” تعمل كسكرتارية لـ”نادي باريس”، زرت -يرافقني كريم هاشم، سفيرنا الحالي للمغرب- الرئيس ساركوزي، وكان يومها الوزير المسؤول، وطلبت المساعدة وقدمها فعلاً.. وبالفعل وبسرعة غير مسبوقة في تاريخ الديون استطعنا استكمال كافة المستلزمات، وتقرر دعوة اعضاء النادي في تشرين الثاني/نوفمبر. قبل الاجتماعات قابلت والشبيبي مستشار الرئيس شيراك، واستخدمنا ثقل المرجعية المحترمة جداً من الفرنسيين، اذ كان لفرنسا والمانيا وروسيا موقفاً يتكلم عن 50% فقط.. كسبنا فرنسا، وطرح الالمان 70% وتعليق 10%، حسب اسعار النفط المستقبلية.. رفضنا الطرح، وساعدنا الامريكان لاقناع الالمان خلال مؤتمر G20 في برلين.. واتفق في نوفمبر الرئيسان بوتين وبوش في سانتيغو (الشيلي) منح العراق 80%. وفي 21/11/2004 وبعد اجتماعات لمدة 11 يوماً متواصلاً، وقعت في باريس الاتفاق النهائي مع دول النادي، وهو وثيقة طويلة تحدد المراحل والمواعيد والمستلزمات واعفائنا 80%، شرط عدم اعطاء الدائنين الاخرين اية نسبة اقل.. فوصل المجموع لحوالي 90%، بسبب إلغاء البعض كامل دينهم، ولتسديدنا الشركات 10.25 سنت مقابل كل دولار دين. وقد تولى المهمة بعدي الاخوان علي علاوي وباقر صولاغ. فكان ذلك انجازاً عظيماً لا ينكره الا المعاندون، وفر للبلاد ما يعادل موازنات سنوات عدة، وهذا ما لم يحصل ليومنا لدولة متوسطة الدخل كالعراق، او لدين بهذا الحجم.
عادل عبد المهدي