حل مشكلة ملوحة المياه بشكل اقتصادي طرحت عدة مرات من قبل علماء عراقيين
محمد توفيق علاوي
نعم تم طرح مشروع توليد الطاقة الكهربائية من قبل عالمين عراقيين بطريقة الجيوثرمال ( Geothermal ) قبل عدة سنوات حيث بالإضافة الى توليد الطاقة ينتج ماء صافي خالي من الاملاح؛ فقد اخبرني الدكتور قصي الخطيب انه طرح هذه الدراسة قبل عدة سنوات على الامانة العامة لمجلس الوزراء في زمن السيد المالكي من دون اعارتها اي اهمية؛ كما اخبرني الدكتور احمد علاوي انه طرح هذه الدراسة على وزارة التعليم العالي بالتنسيق مع احدى الشركات العالمية في هذا المجال في زمن الدكتور حسين الشهرستاني، نعم تمت بعض المتابعات من قبل الوزارة ولكن اهمل الامر لاحقاً، لم تتم اعارة اي اهمية لطرح هذين العالمين اللذان قدما ابحاثهما من اجل مصلحة البلد من دون مقابل.
كما أنى تطرقت الى هذا الموضوع وتطرقت الى ابحاث العالمين العراقيين قبل أكثر من سنتين، ولكن للأسف الشديد مصلحة المواطن تمثل آخر اهتمامات الكثير من السياسيين الذين أصبح همهم الاول هو مصالحهم الشخصية.
والآن بعد مظاهرات البصرة بدأت الحكومة تفكر بمشاريع تحلية المياه في البصرة؛ يا حبذا لو فتشتم في ملفاتكم القديمة لوجدتم هذه الدراسات التي قدمت لكم قبل عدة سنوات، ولعل المقال ادناه لا يقل اهمية وقد نشرته قبل أكثر من عامين والآن اعيد نشره مرةً اخرى لعله ينفع في مشاريعكم المستقبلية لتحلية المياه للشرب وللزراعة في البصرة وفي كافة محافظات العراق:
حلقة ( 4 )
تطرقنا في الحلقات السابقة إلى الحاجة لتأسيس هيئة عليا أو مجلس أعلى للزراعة والري، وسنتناول أدناه تركيبة هذا المجلس وأهم الواجبات المنوطة به.
أما تركيبته فمن المهم أن يترأسه رئيس مجلس الوزراء، أما أعضاءه فبالحد الأدنى، وزير الزراعة ووزير الري ووزير الصناعة ووزير العلوم والتكنولوجيا ووزير البيئة ووزير التعليم العالي ومن يمثله (المهم مشاركة عمداء الكليات الزراعية وكليات هندسة الري) ووزير النفط ووزير البلديات وممثلين عن مجالس المحافظات ورئيس هيئة الاستثمار؛ إن أهمية مشاركة رئيس الوزراء نابعة من أهمية هذا الملف وخطورة ما يمكن أن يتعرض له مستقبل البلد من تقلص كبير للموارد المائية مما يحذر منه المختصون بهذا الشأن بسبب زيادة استهلاك المياه في كل من تركيا وأيران بحيث يؤدي إلى قلة المياه في نهري دجلة والفرات وزيادة ملوحتها بحيث لا يمكن الاستفادة منهما لسقي المزروعات، وقد تطرقنا في الحلقات السابقة إن هناك (٢٠٨) سد داخل تركيا على نهري دجلة والفرات، وهناك مخطط لإنشاء (٢١٠) سد حيث عند انتهاء تركيا من إنشاء هذه السدود خلال عشرين عام ستتقلص مياه النهرين من تركيا بمقدار (٩٥٪) وسيتبقى بحدود (٥٪) من المياه الحالية وستزداد ملوحتها بحيث لا يمكن الاستفادة منها للسقي أو للشرب، ولا يمكن أيقاف تركيا عن الاستمرار بهذا المخطط إلا بمقايضة مياه النهرين بالنفط، حيث يمكن أن يتخلى العراق عن نسبة مدروسة من حاجة تركيا للنفط فيبيعه بتخفيض عال إلى تركيا، قبال استمرار جريان نهر دجلة والفرات لأنه بخلافه معناه نهاية ما يسمى بالنهرين وببلاد ما بين النهرين بعد عقدين من الزمن، وإن كل سنة تمر من دون أيجاد حل لهذه المشكلة معناه تمادي تركيا في إنشاء السدود واتساع الأراضي الزراعية في تركيا وتوجه نسبة كبيرة من المجتمع التركي نحو الاستثمار في القطاع الزراعي وصعوبة التراجع عن هذا ألأمر مستقبلاً، لذلك يجب أن يشارك وزير النفط في عضوية هذا المجلس، أما مشاركة وزير العلوم والتكنولوجيا في هذا المجلس فهو نابع من الأبحاث المتطورة في هذه الوزارة التي يمكن أن تتعاون بشكل وثيق مع المهندسين الزراعيين في مجال الهندسة الوراثية وصناعة الجيل الجديد من الفلترات بتقنية (النانو) لتخليص المياه من الأملاح بكلف اقتصادية، أما وزير الصناعة فمسؤوليته تتضمن الدفع باتجاه القطاع المختلط لإنشاء الصناعات التي تستخدم من قبل القطاع الزراعي من الآلات الثقيلة إلى أجهزة الرش والأسمدة وغيرها فضلاً عن الصناعات التي تعتمد على المنتجات الزراعية والحيوانية….. وهكذا الأمر بالنسبة لباقي الأعضاء، كل في مجال عمله وتخصصه، أما بالنسبة للواجبات المنوطة بهذا المجلس فضلاً عما ذكرنا أعلاه فتتمثل بما يلي:
1. إنشاء ما لا يقل عن عشرة حقول ومزارع نموذجية وتجريبية في كل محافظة من محافظات العراق: وتوفير فريق من المهندسين الزراعيين وتقنيين مختلفين وأطباء
بيطريين والدعوة لمشاركة خبراء دوليين من المنظمات الدولية في المجال الزراعي والاتفاق مع مستشارين عالميين من دول العالم المختلفة المتطورة في مجال الأبحاث الزراعية والإنتاج الحيواني، ككندا وأستراليا وهولندا واليابان والهند، ودفع مبالغ مجزية لهؤلاء المستشارين لتقديم الدراسات المطلوبة فيما نفتقر إليه، وإجراء تجارب لإنتاج أفضل المحاصيل الزراعية وأكثرها تنوعاً ضمن البيئة العراقية في كل منطقة من نوع التربة وألمياه والمناخ، وتوفير مناهج تدريسية للمزارعين وتوفير أفضل انواع الحبوب وطرق التكثير المختلفة والتسميد والسقي فضلاً عن الإنتاج الحيواني والعلف الحيواني، وتتولى هذه الفرق الهندسية تصنيف الأراضي الزراعية في كافة المحافظات وتقسيمها وتوزيعها على المزارعين والمهندسين الزراعيين وتقديم المشورة لهم والإشراف على هذه المزارع وتقديم تقارير دورية والتنسيق مع المصارف في تقديم قروض ميسرة، كما يتولى المجلس المذكور من خلال هذه التقارير الاتفاق مع شركات عالمية لاستصلاح الأراضي على مستوى واسع سواء من خلال هيئة الاستثمار في المشاريع ذات المردود السريع، أو من خلال عقود طويلة الأمد (أكثر من عشر سنوات) كإنشاء غابات لإنتاج الأخشاب وبعض انواع الزيوت والدهون والأعلاف.
2. تشكيل دائرة تتولى مسؤولية إنشاء وحدات لتنقية المياه من الأملاح بكلف اقتصادية: وتوفيرها لمختلف المحاصيل الزراعية وكل صنف ضمن الحدود المسموحة لدرجة الملوحة، حيث هناك عدة طرق لتخليص المياه من الأملاح؛ الطريقة المتعارفة عالمياً وتستخدم على نطاق واسع في بلدان الخليج وبالذات السعودية والإمارات وهي طريقة التقطير (Distillation) باستخدام الوقود لتسخين المياه ثم تكثيفها وتعتبر هذه الطريقة من أكثر الطرق كلفة وهي غير اقتصادية لتوفير مياه السقي، والطريقة الثانية وهي طريقة التناضح العكسي (Reversible Osmosis) – (RO) وهي أرخص من الطريقة الأولى وتستخدم على نطاق واسع في البحرين ولكنها أيضاً غير اقتصادية لتوفير مياه السقي. هنالك ثلاث طرق بدأ استخدامها الآن يتسع بشكل كبير لتوفير المياه الخالية من الأملاح بكلف اقتصادية وهي:
أ) طريقة استخدام الطاقة الشمسية لتحلية المياه فضلاً عن توفير الكهرباء؛ حيث بدأت دول مثل الولايات المتحدة وتشيلي والجزائر ومصر والسعودية والإمارات والكويت والكثير من دول العالم باستخدام وحدات متطورة بكلف إنتاجية تبلغ أقل من ثلث الكلف ألإنتاجية المتعارفة لتحلية المياه، وإن السعودية ستقوم خلال الأعوام القادمة باستبدال كافة محطات التحلية القديمة التي تعتمد على الوقود إلى وحدات تعتمد على الطاقة الشمسية ، وستنشأ الإمارات أكبر محطة في العام لتحلية مياه البحر اعتمادا على الطاقة الشمسية في إمارة رأس الخيمة، وهذه الوحدات تعتمد في الصباح على حرارة الشمس المباشرة، وفي الليل على الطاقة الشمسية المخزنة، لو أنشأت مثل هذه المحطات في العراق لتحلية مياه البزل التي تبلغ نسبة الأملاح فيها (٦٠٠٠) جزء في المليون إلى (٣٠٠٠) جزء في المليون فستكون الكلفة أقل بكثير من كلفة مثيلاتها في بلدان الخليج التي تعتمد على مياه البحر العالية الملوحة لتصفيتها.
ب) طريقة استخدام الطاقة الحرارية الأرضية (Geothermal) الجيوثرمال؛ حيث أن باطن الأرض ذو حرارة عالية جداً وهناك بضعة مناطق في العالم لا تتجاوز ال (١٠٪) من مساحة اليابسة تقترب هذه الحرارة من سطح الأرض، وتقع منطقة شمال العراق وأطراف العراق الشرقية والغربية ضمن هذه المناطق، حيث يمكن استخدام هذه الطاقة لتحقيق عدة أغراض ومن ضمنها إنتاج الطاقة الكهربائية وتقطير المياه بكلف تشغيلية بسيطة جداً، وقد قام اثنان من العلماء العراقيين بتقديم دراسات كاملة بهذا الشأن للحكومة العراقية ولكن لم يتخذ أي إجراء بهذا الشأن، وبالذات توليد الطاقة الكهربائية، حيث قدم الدكتور قصي الخطيب هذ الدراسة إلى رئاسة الوزراء قبل بضع سنوات، كما قدمها أيضاً الدكتور أحمد علاوي إلى وزارة التعليم العالي قبل أقل من سنتين، ولكن للأسف لم يتخذ أي إجراء فعلي بهذا الشأن لا من مجلس الوزراء ولا من وزارة التعليم العالي، يمكننا تعريف هذه الطريقة بشكل مختصر حيث يتم ضخ الماء إلى أعماق الأرض وهناك يتعرض لحرارة لا تقل عن (١٨٠) درجة مئوية، فيتحول الماء إلى بخار بضغط عالٍ قادر على تشغيل المولدات الكهربائية، وفي نفس الوقت يتم تكثيف البخار فينتج عنه ماء مقطر خالٍ من الأملاح، حيث يتضح أنه بهذه الطريقة يمكن توليد الطاقة الكهربائية وتخليص الماء من الأملاح من دون الحاجة إلى توليد الطاقة اعتمادا على الوقود ذو الكلفة العالية، وإنما الاستفادة من حرارة الأرض الطبيعية والمجانية، لقد تم استخدام هذه الطريقة لاستخدامات مختلفة وعلى نطاق واسع جداً من قبل أكثر من (٧٠) دولة حيث منها أكثر (٢٠) دولة في منطقتنا من ضمنها تركيا وأيران استخدموا هذه الطريقة لتوليد الطاقة الكهربائية فضلاً عن دولتين عربيتين بدأوا بإنشاء هذه المشاريع وهما لبنان ومصر أيضاً لتوليد الطاقة الكهربائية بكلف تشغيلية جداً بسيطة، فضلاً عن ذلك فهناك الكثير من آبار النفط الناضبة والمغلقة في العراق، حيث يمكن استخدامها بكلف بسيطة من دون حفر، أو مجرد تعميقها، ولكن الأمر يحتاج إلى مبادرة وإقدام وإجراء التجارب، ولكن بشكل عام فإن هناك حوالي عشر دول تستخدم الحرارة الأرضية لتقطير مياه البحر بشكل اقتصادي كالولايات المتحدة والمكسيك واليونان وإسبانيا والجزائر والسعودية والإمارات وعمان وغيرها، ويمكن للعراق استخدام هذه الطريقة لتحقيق هدفين بآن واحد، توفير الكهرباء وتنقية المياه من الأملاح .
ج) استخدام فلترات النانو (nanofiltration)؛ حيث إنها طريقة حديثة (اكتشفت في نهاية ثمانينات القرن الماضي) لتخليص المياه من الأملاح بنسبة تتراوح بين ٥٪ إلى ٩٩٪، حيث تمتاز هذه الطريقة بقلة ضغط الماء حيث تحتاج إلى حوالي (٤/١) إلى (١٠/١) ضغط الماء الذي تحتاجه طريقة التناضح العكسي (RO)، لذلك كلفة تنقية المياه بهذه الفلترات أرخص بكثير من طريقة (RO)، كما تعتبر هذه الطريقة مثالية في تنقية المياه ذات الملوحة الواطئة نسبياً كمياه نهر دجلة والفرات وشط العرب والمياه الجوفية في العراق، من المهم أن تتولى الحكومة استيراد هذا الصنف من الفلترات وإجراء التجارب وتدريب المزارعين في المرحلة الأولى، ثم إنشاء المصانع مع القطاع الخاص لصناعتها في المرحلة الثانية، بكلف اقتصادية وتوزيعها على الفلاحين وتنقية المياه من الأملاح بكلف قد تبلغ أقل من (١٠/١) من مثيلاتها في البحرين على سبيل المثال في تنقية مياه البحر من الأملاح بطريقة التناضح العكسي (RO).
(تتمة الموضوع في الحلقة القادمة إن شاء ألله)