اراء و أفكـار

الوضع الراهن بعيون 14 تموز

مثل الانتقال الى الجمهورية في 14 تموز 1958، تغيرات جذرية اقتصادية واجتماعية وفي الخلفيات الفلسفية والانحيازات الطبقية والاقليمية والدولية. فكان تحجيم دور الشركات النفطية بقانون رقم 80، وصدور قانون الاصلاح الزراعي، والانحياز للمعسكر الاشتراكي بدل الغربي، والخروج من حلف بغداد، والنزعة التحررية المجاهرة في العلاقات الاجتماعية والاحوال الشخصية بدل النزعة المحافظة.. فازدادت النزعة الثورية، وانطلقت قوى كبيرة ستتجاوز –كما في الثورات الاخرى- ما كانت تفكر به النخب والقوى المعارضة للنظام القديم. وهذه بسرعة ملامح للمراحل الثلاث:
1- المرحلة الملكية حيث اقتصاديات السوق وسيطرة القطاع الزراعي والعلاقات العشائرية والارتباطات المتينة بالمملكة المتحدة، وحيث يتم تداول السلطة عبر ارهاصات القصر وصراع الاجنحة في ظل نظام ديمقراطي شكلي، ونمو اهمية القطاع النفطي في خمسينات القرن، وازمات البلاد الداخلية والخارجية، والتي لعبت بها قوى الشرطة والجيش ادواراً في مواجهتها بدءاً من حركة مار شمعون وكردستان والفرات الاوسط. فنمت قوة الجيش لتأتي احداث بكر صدقي والحرب العالمية الثانية وحرب فلسطين، وتراجع مكانة المملكة المتحدة، وتصاعد موجات التحرر والاستقلال ونمو الحركات القومية واليسارية لتضع اولى لبنات تموز 1958.
2- المرحلة الجمهورية التي انتهت بنظام شمولي وسلسلة من الحروب الداخلية والخارجية، وفرض العقوبات والحصار، ودمار بناه التحتية واعتماده في النهاية على برنامج النفط مقابل الغذاء والبطاقة التموينية وتراجع خطير للناتج الوطني الاجمالي وللزراعة والصناعة والخدمات.. مرحلة تم فيها الانتقال التدريجي للاقتصاد المركزي الموجه، والحركات الشعبية، حيث يتم تداول السلطة عبر الانقلابات العسكرية، بالتحالف مع احزاب وقوى مجتمعية تتناغم مع توجهاتها.. فصار للاحزاب ضباطها، وللضباط امتداداتهم المجتمعية والحزبية. فانقسمت قوى “جبهة الاتحاد الوطني” للمرحلة الملكية لتيارين: أ) جبهة الشيوعي والديمقراطي الكردستاني والوطني الديمقراطي ورجلها الاساس المرحوم عبد الكريم قاسم.. ب) الجبهة القومية التي ستنقسم بدورها الى تيارين متعارضين الاول ناصري (المرحلة العارفية).. والثاني بعثي (في 1963 و1968).
3- ما بعد 2003 وهي مرحلة معقدة للغاية بما اختزنته من ملامح وتناقضات المرحلتين السابقتين، وقواها، بما فيها “بعثيين” سابقين احتلوا مراكز مرموقة في مختلف السلطات، خصوصاً العسكرية، رغم “الاجتثاث”. مرحلة افرزت تيارات شتى متأثرة بالتطورات الجديدة بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، والصراعات الاقليمية، وما سمي بالحرب ضد الارهاب. شهدت المرحلة عودة العلاقات الوثيقة بالولايات المتحدة والغرب، تقابلها علاقات قوية ايضاً بروسيا والصين والجمهورية الاسلامية وتركيا. فكما بدأت المرحلة الملكية بالغزو البريطاني وفرض الانتداب، فان هذه المرحلة بدأت بغزو الولايات المتحدة وفرض الاحتلال. شهدت المرحلة صعود التيارات الدينية اساساً لكن العلمانية والقومية ايضاً.. وزيادة مليون مواطن سنوياً، وشعب شبابي يتطلع للمستقبل، لكن معظمه يصطدم بالبطالة ولا يجد طريقاً غير الهجرة وحركات الاحتجاج. اطلقت المرحلة الحريات، الى حدود الفوضى، واجتاحت المفاهيم والممارسات الجديدة المتناقضة الصالحة والطالحة، والموروثات الايجابية والسلبية، لتحدث ولاءات وانقسامات كبيرة. فاصبح التداول يجري عبر الانتخابات، وان كان بقوانين تجعل فوز احزاب محددة امراً لا مفر منه.. واصبح الاقتصاد هو النفط الذي تعاظمت موارده كثيراً، لتدور حوله كل المصالح المشروعة وغير المشروعة من مافيات وفساد، ولتتجاذبه تيارات مركزية حاكمة مع تيارات مقابلة لتعطل بعضها بعضاً. مرحلة تتطور فيها الامور وسط الفوضى والحرب ضد الارهاب وتطور نزعات العنف واستخدام السلاح وتضارب المصالح، وانقسامات طائفية واثنية وصلت احياناً اشكالاً، ولو ابتدائية، من الحرب الاهلية. فمثلت معظم تناقضات المرحلتين السابقتين، كما ان المرحلتين شكلتا نواتات لازمات لم تحل زرعت نفسها في بناءات المرحلة الحالية.
4- ما يميز المرحلة الراهنة هي كثرة التعقيدات وتداخل القوى، الداخلية والخارجية، وتنوع المطاليب كالبطالة والخدمات وفشل السياسات المحورية، خصوصاً الاقتصادية، والتدافعات الشديدة حول نتائج الانتخابات، وتأخر تشكيل الحكومة، وتنامي الفجوة بين الاحزاب والجماهير، وتدافعات القوى على مصادر الثروة والسلطة. فالفوضى بابعادها المختلفة، وعدم الاستقرار على مفاهيم وممارسات اصولية، لم ولن تسمح بالتراكمات الايجابية لبناء الحلول المستدامة، لتستمر بترحيل التراكمات السلبية لبناء الازمات المزمنة. (للبحث صلة)
عادل عبد المهدي

مقالات ذات صلة