الحرارة تقتل في البلدان الباردة، فكيف بنا في العراق؟
المعاناة شديدة من الحرارة التي تجعلنا من اكثر البلدان حرارة، فهي تصل 50 درجة مئوية، وترتفع احياناً عن ذلك.. مضافاً اليها ازمة الكهرباء، والمياه.. والمساكن العشوائية التي لا تتوفر فيها وسائل التبريد والتهوية، وازدياد الرطوبة في الاجواء الرطبة مما يعطل عملية التعرق، ونقصها في الاجواء الجافة مما يزيد من حالات جفاف الجسم، كلها عوامل تقود لمعاناة كبيرة، ناهيك عن احتمال وفاة من يعاني من صعوبات صحية محددة. يقيناً، هناك عوامل طبيعية عالمية كالانحباس الحراري والتقلبات الجوية وشحة المياه وارتفاع معدلات التلوث. اعلنت كندا رسمياً في 6/7/2018 وفاة 54 شخصاً في مونتريال بسبب ارتفاع الحرارة الى 34 درجة مئوية، وهي اعلى من معدلاتها لبقية الاعوام بـ23 درجة.. وفي الولايات المتحدة يموت سنوياً 600 شخصاً تقريباً من الحرارة.. وتشير احصاءات “مكتب الاحصاء الوطني” البريطاني ان (907) فقدوا حياتهم عندما بلغت الحرارة 38.1 درجة. وتحصل حالات الوفاة بسبب الذبحة الصدرية وجفاف الجسم وضربات الشمس، الخ.. فالحرارة تضاعف عمل القلب بمعدل الثلثين، وهو ما يتسبب بعجز ومضاعفات خطيرة.
هذا الكلام ليس تعزية لنا لنقول بان الحرارة لدينا لا تقتل على الاقل.. اذ يعلق خبير مختص بان معدلات الحرارة في اليونان اعلى من الحرارة في فلندا، لكن معدلات الوفاة بسبب الحرارة في الاولى اقل من الثانية.. ويعزي السبب الى تكييف اليونانيين انفسهم في عمارة بيوتهم وانماط ملابسهم وساعات عملهم ونومهم وعاداتهم في الطعام والشراب بما يتكيف مع حرارة بلادهم، وهو ما لا يعرفه او يقوم به الفلنديون اصحاب الاجواء الباردة.. لهذا عندما ترتفع الحرارة عن معدلاتها الطبيعية بمقدار 23 درجة، كما حصل في كندا، قبل يومين فان مضاعفات صحية ستحصل، حتى وان كانت الحرارة بمعدلات تعتبر ربيعية في بلداننا.
1) الحرارة لدينا تقتل ايضاً رغم اعتيادنا على معدلات مرتفعة. لكن المشكلة انه ليس لدينا احصاءات دقيقة تربط بين اسباب الوفاة والحرارة والجفاف وفقدان ملوحة الجسم، كما هو الحال في تلك البلدان. كما ان الاجراءات التي تتخذ هناك سواء من حيث الكهرباء والمياه، واستقبال الحالات الطارئة او تدابير الوقاية والنصائح الطبية، متقدمة كثيراً عما نقوم به عندنا.
2) نرى ان من واجب الدوائر المسؤولة اطلاق الاحصاءات الاسبوعية والشهرية التي تربط بين ارتفاع معدلات الحرارة واسباب الوفاة في حالة توفرها، او توفيرها في حالة انعدامها.. ومنها الاحصاءات التي تشير للفئات العمرية، وللاعمال والمهن، وللمناطق الحضرية والريفية، والفقيرة والميسورة وحالات الدور السكنية وتوفر الكهرباء والمياه، وغيرها من معلومات تسمح بتنظيم الاجراءات المضادة التي تساعد في تطويق الحالات وتخفيف وطأتها على المواطنين.
3) لاشك ان للعوامل الطبيعية والانحباس الحراري اثار كبيرة في المعاناة.. لكن ما يزيد معاناة الناس عندنا هو شحة المياه وتذبذب الكهرباء وانقطاعاتها، والجهل في الاجراءات الواجب اتباعها، وقلة المؤسسات الحكومية والاهلية المؤهلة لمعالجة هذه الحالات وتوفير الاسعافات الاولية اللازمة، وهذه كلها باتت ازمات مزمنة تتطلب حلولاً جذرية تختلف عن المعالجات التي قمنا او نقوم بها، والتي استهلكت من الاموال والوقت والتضحيات ما كان يكفي لايجاد حلول معقولة لها، لو كان التشخيص والحلول صحيحة.
4) تتحمل الدولة كما يتحمل المجتمع كل الاثار التي يسببها اهمال التكيف مع الظروف المناخية للبلاد.. فالعمارة واللباس والاكل والشرب وعادات النوم والعمل ليست “صرعة” او تقليد ينساق ورائهما المجتمع او اغلبيته.. بل هو وعي جمعي وتاريخي للتكيف اكثر ما يمكن مع العوامل الطبيعية، لتاتي العوامل البشرية كعوامل مساعدة وليس بديلة او نافية. فالعزل الحراري والاقبية والتهوية والتبريد والملابس الواسعة والالوان العاكسة، وكثرة التشجير والظلال.. والحرص على عدم فقدان الجسم للاملاح بالاكثار من شرب المياه، وعدم التعرض لاشعة الشمس وتنظيم ساعات العمل بما يتوافق مع ذلك، وعادات الاكل والنوم كلها امور يجب اعادة التفكير بها بجد، والتربية عليها والتشجيع على المفيد والصالح منها، لنوفر الوقاية والعلاج في آن واحد.
عادل عبد المهدي