اراء و أفكـار

تفكيك شفرات الاستراتيجية الأميركية

د. سعدي الابراهيم

الاستراتيجية الاميركية الحالية، وتدعي فهمها، الا ان اغلبها بعيد كل البعد عن الواقع.
ان سوء فهم او صعوبة فهم الاستراتيجية الاميركية شيء طبيعي، فأذا كانت الدول البسيطة تخفي وتضفي شيئا من العتمة والتشويش على مخططاتها العالمية، فكيف بالدولة الاعظم في العالم، فشيء طبيعي ان تفعل الشيء نفسه وبشكل اكبر واكثر حذرا، وربما انها تظهر شيئا وتخفي اشياء اخرى.
الشيء المهم الاخر الذي اعتادت عليه الدولة الاعظم اميركا، هو ان تبدو وكأنها تعفي نفسها من عناء وضع الاستراتيجية ورسمها، وتترك الاخرين يقومون بذلك نيابة عنها، فنجد بأن جامعات العالم ترهق نفسها، بالتفكير نيابة عن اميركا، وكل باحث يتوقع لها افتراضات وتصورات قد لا تخطر على بال صانع القرار الأميركي اصلا.
ان نعمة ان يفكر الاخرون نيابة عنك قد لا تحظى بها اي دولة اخرى في العالم ما عدا اميركا، بل ان البعض لا يكتفي بالتفكير نيابة عنها، ويصل به الامر الى حد تطبيق ما يفترضه بأنه استراتيجية امريكية.
لكن مع كل ذلك تبقى هناك اشياء من الممكن ان نعتبرها ثابتة في الاستراتيجية الامريكية، فأهداف هذه الدولة تتمثل بحفظ تفوقها على الاخرين، والغاية من هذه التفوق هو ضمان بقائها الاقوى والاعظم في العالم، وفي سبيل هذا الهدف وهذه الغاية، فهي تضع استراتيجية تتمثل بالآتي:
1 – اميركا تعمل على منع اي طرف دولي قوي، او حتى مجموعة دول، من ان تزحزح مكانتها العالمية، سواء اكانت الصين او اليابان او الاتحاد الاوربي او اي طرف اخر.
2 – اميركا لديها حلفاء مثل الحجارة الصلبة تقف عليها، وسط محيط فوضوي غارق بالأزمات، هؤلاء الحلفاء تحاول الولايات المتحدة ان تحافظ عليهم اقوياء متماسكين، كونهم جزءا مهما من واستراتيجيتها العالمية، ومن امثلتهم اسرائيل ودول الخليج العربي.
3 – جعل الاخرين يشعرون بأن وجودهم مرتبط بها، وهذه العملية تتطلب اشعال الحروب بين الدول، وزرع بواعث عدم الاستقرار في داخل الشعوب، فتعم الفوضى، ويعجز الجميع عن الحل، فيتجهون صوب البيت الابيض طالبين المساعدة، فتتدخل الولايات المتحدة ومعها الحل، وبالتالي تضمن مصالحها و وجودها في مناطق النزاع التي هي في الغالب مواطن النفط والموقع الكوني المهم.
4 – استخدام الوسائل التقنية الحديثة، وخاصة الانترنيت، لتعظيم صورة اميركا في عيون العالم، وجعل الانظمة والشعوب تنظر اليها على انها الدولة التي لا يمكن غلبتها ولا يمكن للعالم ان يعيش من دونها، هذا التعظيم والتهويل يسهل على الولايات المتحدة تحقيق اهدافها بسهولة، كون الاخرين مستعدين لتقبلها او قبولها رغما عنهم، نظرا للصورة المسبقة التي رسمتها في مخيلتهم.
اذن، للولايات المتحدة اهداف وغايات، وهناك استراتيجية واسعة وعالمية قد رسمتها لتحقيقها.

“المشرق”

مقالات ذات صلة