كيف السبيل لجعل حوض دجلة والفرات كافياً لتركيا وسوريا والعراق وإيران
محمد توفيق علاوي
ألموضوع أدناه هو القسم الثاني من محور حوض نهر دجلة والفرات ضمن باب (القطاع الزراعي والحيواني) الذي يتضمن خمسة محاور وهي:
1- حوض نهر دجلة والفرات.
2- الإنتاج الزراعي.
3- الإنتاج الحيواني.
4- الهيئة العليا للزراعة والري.
5- ألخصخصة الذكية والتنمية المستدامة.
أ)أول عناصر الحل تتمثل بالتفاهم مع تركيا وأيران:(حيث رفضت تركيا التوقيع على ألإتفاقية الدولية لعام ١٩٩٧ المقرة من قبل الأمم المتحدة لتقاسم المياه الدولية فتم التطرق إلى هذا الموضوع في القسم الأول وبه حلول واقعية وجذرية ويمكن إتخاذها الآن لزيادة الحصة المائية للعراق من مياه دجلة والفرات من يومنا هذا كما تم ذكره على الرابط اعلاه)
ب) واحدة من أهم وسائل إيقاف هدر ماء دجلة والفرات في الخليج وأيقاف لسان مياه الخليج المالحة في شط العرب ورفع مستوى الماء في نهري دجلة والفرات هو إنشاء مجموعة من السدود على النهرين وعلى شط العرب من جنوب بغداد حتى نقطة إلتقاء شط العرب بمياه الخليج، حيث نجد دولة مثل الولايات المتحدة قد أقامت (٤٣) سداً في أعالي نهر المسيسيبي أي بحدود سد واحد لأقل من كل (٥٠) كلم.، يمكننا فعل نفس الشيء لنهري دجلة والفرات وشط العرب على مسافة حوالي سد واحد كل (١٠٠) كلم.، ويوجد حالياً سدين على نهر دجلة وسدين على نهر الفرات جنوب بغداد أي يمكن إنشاء ثلاث سدود على نهر دجلة وثلاث سدود على نهر الفرات (لمسافة حوالي ٤٠٠ كلم) وسدين على شط العرب (الذي يبلغ طوله حوالي ٢٠٠ كلم.)؛ لقد أنشأ في محافظة الأنبار على نهر الفرات ثلاثة عشر سداً لمسافة ٤٠٠ كلم من دخول نهر الفرات الأراضي العراقية حتى مدينة الفلوجة، أي بمعدل سداً واحداً لكل (٣٠) كلم، إن إنشاء هذا العدد من السدود جنوب بغداد لن يكون ذو كلفة عالية لأن رفع مستوى الماء لن يتجاوز العشرة أمتار بين طرفي السد، حيث إن مدينة بغداد لا يبلغ إرتفاعها أكثر من (٣٥) متراً عن مستوى سطح البحر، إن الطاقة التخزينية لجميع هذه السدود يمكن أن تبلغ حوالي ال (١٠) مليار م٣، ويمكن ان يرتفع الماء في نهر دجلة في بغداد إلى أكثر من (٣٠) متراً ليبلغ مستواه السابق إن أنشئ سد في جنوب بغداد، كما إنه من المهم فتح قناة توصل الماء من دجلة إلى الفرات عند منطقة إقتراب النهرين من بعضهما جنوب بغداد كما إقترحه الكثير من الخبراء كتقرير جامعة سري البريطانية University of Surrey الذي كتبه ألأساتذة عادل شريف الحسيني ومحمد عز الدين الصندوق وذلك لتزويد نهر الفرات بالماء في السنين التي يعاني فيها نقصاً؛ صحيح إن السدود في المسيسيبي تستخدم لإنتاج الكهرباء وفي هذه السدود في العراق لا يمكن ذلك، ولكن كما في المسيسبي ستمتليء كافة الروافد والقنوات بالماء بشكل طبيعي من دون الحاجة لسحب الماء بالمضخات، وستكون مياه النهر مرتعاً لزيادة الثروة السمكية الطبيعية بشكل كبير جداً. الأهم من ذلك كله أيقاف لسان الخليج المالح من النفوذ إلى داخل مجرى شط العرب، وإحياء الكثير من الأراضي في محافظة البصرة الواقعة على ضفتي نهر شط العرب، وكما هو معلوم فإن كل سد يحتاج إلى هويس ملاحي (Lock) لإنتقال المراكب والسفن ويحتاج إلى مجرى مائي خاص لإنتقال الأسماك. كما يمكن فتح قناة بإتجاه ما يعرف ببحر النجف حيث يمكن أن يستوعب (١٧) مليار م٣ من الماء. كما إذا أريد تحقيق الإستخدام الأمثل للمياه فلا بد من تبطين كافة الترع والقنوات بمواد عازلة لمنع تسرب المياه، حيث تصل نسبة الهدر والتسرب داخل ألأرض إلى أكثر من ٨٠٪ من كمية المياه في القنوات الطويلة نسبياً في العراق والغير مبطنة.
يبقى العراق مع هذا النقص الحاد في الماء الدولة العربية الأولى في حصة الماء للفرد الواحد، ولا يشابهه غير دولتين عربيتين وهما لبنان والمغرب، وحصة الفرد العراقي أكثر بعشرين بالمئة من حصة الفرد المصري أو السوداني، ولكن نجد أن الزراعة متطورة بشكل كبير في هذه البلدان ولا تعاني من نقص في المياه بسبب ألإستخدام الأمثل للماء ولطرق السقي من دون هدر وهذا ما نفتقده في العراق، بل إن حصة الفرد العراقي أكثر من عشرة أضعاف حصة الفرد السعودي، وهناك زراعة متطورة في السعودية وإنتاج واسع للكثير من الغلال مع قلة نسبة الماء، فيجب الإستفادة من هذه التجارب وتطوير طرق الزراعة والسقي وهذا ما سنتناوله في الأبحاث القادمة إن شاء ألله.
ج) لقد تحدثت مع الدكتور عزام علوش مؤسس ومدير مشروع جنة عدن لإحياء الأهوار الذى نال جائزة (غولدمان) في جهده لإنعاش الأهوار، حيث أقترح مقترحين مهمين لتقليل نسبة الملوحة في نهر الفرات وتقليل صرف الماء في الدول المجاورة وفي العراق، حيث أن السوريون ليس لديهم شبكة بزل لذلك فإن مياه البزل ترجع إلى نهر الفرات فتزداد ملوحته، حيث إقترح أن يتولى العراق إنشاء شبكة بزل في سوريا بعد القضاء على داعش بمشية الله، وربط هذه الشبكة بالمصب العام لمياه البزل داخل العراق وإستخدام طريقة السيفون لربط خط غرب الفرات بألمصب العام عند عبوره لنهر الفرات وبذلك تقل الأملاح بشكل كبير في نهر الفرات، المقترح الثاني هو إنشاء مصنع ضخم لصناعة الأنابيب البلاستيكية للسقي بطريقة التنقيط إعتماداً على مصنع البتروكيمياويات المنوي إعادة تعميره داخل العراق، ويوزع إنتاجه مجاناً داخل العراق، وتقام ثلاثة مراكز عراقية في كل من سوريا وايران وتركيا لتوزيع هذه الأنابيب بشكل مجاني أيضاً على المزارعين في هذه البلدان مع شرح لفائدة السقي بالتنقيط للحفاظ على خصوبة الأرض والتوفير الكبير جداً في إستعمال الأسمدة (نسبة التوفير تبلغ ٩٥٪)، والحفاظ على الأرض من زيادة ملوحة التربة، وعدم إنتشار الأمراض النباتية من خلال المياه السطحية وغيرها، وألأهم من ذلك كله زيادة الإنتاج بنسبة تتراوح بين ١٨٪ إلى ٥٠٪ إستناداً إلى دراسة ميدانية قامت بها السلطات الأسترالية في المقارنة بين السقي بالطرق التقليدية والسقي بطريقة التنقيط في أستراليا، بل الأمر يتعدى ذلك حيث يمكن للفلاح إستخدام تقنية (Nano Ganesh) المطورة في الهند بأسعار منافسة التي أخذت تستخدم وستستخدم من قبل اكثر من (١٤) مليون فلاح في الهند حيث يمكن للفلاح تشغيل المضخة وإطفائها بواسطة هاتفه الخلوي العادي من دون الحاجة لقطع عدة كيلومترات للوصول إلى أرضه. وإن ما يهمنا هو توفير المياه، حيث بهذه الطرق يمكن توفير أكثر من ٥٠٪ من الماء المستهلك للسقي، أي إن أتبعت هذه الطرق في كل من تركيا وسوريا وأيران والعراق فإن المياه السطحية لحوض دجلة والفرات ستكفي لكافة إستخدامات هذه الدول الأربعة للسقي للزراعة من دون التعرض لأي مشكلة لنقص المياه لأي من هذه الدول.
د) هناك المصدر الآخر وهو المياه الجوفية، وهي على صنفين مياه متجددة ومياه غير متجددة، أما المياه المتجددة فأهمها المياه في المنطقة الجبلية الشمالية من العراق حيث تنبع الكثير من العيون الطبيعية فضلاً عن المياه التي تنحدر على السطوح الصخرية للجبال في تركيا وفي شمال العراق وهذه المياه شكلت مكمناً يمتد من منطقة سنجار غرباً ومنطقة الجزيرة والموصل واربيل ثم كركوك وخانقين شرقاً ومياهه عذبة وخزينه المائي كبير (يتجاوز ال١٥٠ مليار م٣) ومقدار مايتجدد سنوياً يبلغ (حوالي ٨ مليار م٣ )، ويمكن في منطقة الجزيرة في سنين الجفاف وفي فصل الصيف إستخدام هذه المياه وحفر الآبار (العميقة نسبياً) وزرع الكثير من الغلال الجيدة الإنتاج والنوعية لخصوبة أرضها وحسن مناخها، والمنطقة الثانية للمياه المتجدد هي منطقة غرب الفرات التي تستمد الماء من نهر الفرات بسبب تركيبة المنطقة الكلسية حيث هنالك مكمنين يزودان الماء من مدينة كبيسة شمالاً ثم جنوباً إلى الهبارية والنخيب والنجف ثم الناصرية فضلاً عن المياه الجوفية لهضبة نجد حيث تنحدر باتجاه السهل الرسوبي لجنوب العراق وهذه المياه تدفق عند حفر الابار الارتوازية ولكنها مياه مالحة وازدادت ملوحتها بعد نقصان مياه الفرات وزيادة ملوحتها، وهنالك مياه أخرى متجددة كالمياه بين دجلة والفرات حيث عمقها قليل ولكن ملوحتها نسبياً عالية ولكن إن إستمر السحب منها فستهبط ملوحتها بشكل كبير، وهناك مكمن مياه متجددة ولكنها تحوي على الكبريتات وطعمها غير مستساغ كمياه حمام العليل ويمتد هذا المكمن ليشمل كل من تلعفر والشرقاط ومخمور وطوزخرماتو وكفري والحويجة والمناطق المتاخمة للحدود الإيرانية في محافظات ديالى وواسط وميسان وتمتد غرباً إلى هيت وشنانة والشبيكة والنخيب؛
هناك وسائل مكلفة للتخلص من الأملاح كطريقة التقطير المتبعة على نطاق واسع في السعودية والإمارات، وطريقة التناضح العكسي (Reversible Osmosis)المتبعة على نطاق واسع في البحرين، ولكن هذه الطرق غير إقتصادية لإستخدامات السقي للأغراض الزراعية، ولكن هناك طرق حديثة وإقتصادية جداً سنتناولها في المقالات القادمة بمشيئة الله.
هـ) المصدر الآخر هو الأمطار، وبالذات في منطقة الجزيرة والصحراء الغربية والجنوبية؛ كميات ألأمطار في هذه المناطق تتراوح بين (٥٠) ملم و (٤٠٠) ملم سنوياً، يمكن زراعة هذه المناطق بالكثير من المزروعات التي سنتطرق إليها لاحقاً؛ من المعلوم أن معدل ٦٠٪ من مياه السقي سواء من الأمطار أو من المياه السطحية في العالم تذهب هدراً، قسماً منها يتبخر في الجو والقسم الآخر يذهب في جوف التربة، بدأت الكثير من الأبحاث والتجارب والدراسات العالمية لتقليل هذه النسبة وذلك بتقليل تبخر المياه وتقليل نفوذ المياه داخل التربة، يجب إلإستفادة من هذه الأبحاث ونتائجها بإستخدام الكثير من الطرق المستحدثة والمواد المستحدثة في هذا ألمجال، كإستخدام بعض المواد التي تخزن مياه الأمطار بما يسمى حافظات المياه في التربة (Water retainer) وهي مواد مختلفة ومتعددة التركيب بأسماء وصناعات وخواص مختلفة تختزن المياه داخل التربة قرب جذور النبات قبل النفوذ إلى أعماق الأرض، ولكن هذه المواد لا يمكن إستخدامها إلا بوجود مهندسين زراعيين لتحديد أصنافها وتركيبها الكيمياوي ونوع النبات الذي تستخدم معه والعمق الذي توضع به داخل الأرض وكيفية إستخدامها وكم هي إقتصادية، لقد وجد أن هذه المواد لها فعل يعادل مضاعفة كمية المطر ومضاعفة الفترة الزمنية للإستفادة من مياه المطر، كما يمكن إستخدام هذه المواد حتى في حالة السقي من المياه السطحية أو الجوفية، حيث يمكن تقليص كمية مياه السقي إلى النصف أو حتى الثلث، وهناك طرق طبيعية أخرى تقلل إستهلاك المياه، وهناك مواد تغطى بها التربة لتقليل التبخر وأغلبها مواد طبيعية تلعب أكثر من دور في تقليل التبخر وحفظ المياه وبأسعار إقتصادية، إن العالم كله بدأ يعاني بشكل حقيقي من نقص المياه لسقي المزروعات، لذلك توجهت الكثير من المؤسسات البحثية والتعليمية في العالم بإجراء التجارب والبحوث للإستخدام الأمثل لمياه السقي، ونحن في العراق أبعد ما نكون من إجراء مثل هذه البحوث، بل الأنكى من ذلك لا نستفاد من نتائج الأبحاث والتجارب التي يجريها الآخرون، ولكي أكون أكثر دقة في التوصيف فقد قدمت الكثير من الأبحاث والطرق المتطورة في هذا المجال من قبل علماء عراقيين، ولكن للأسف لم تجد هذه الأبحاث والدراسات من يستفاد منها من الجهات المسؤولة في البلد، فركنت تلك الدراسات جانباً؛ سنتطرق إلى هذه الأبحاث من العراقيين وغيرهم في الحلقات القادمة إن شاء ألله.
و) المصدر الآخر للمياه في العراق هو مياه الأهوار، حيث تعتبر مناطق الأهوار أكبر نظام بيئي من نوعه في الشرق الأوسط وغربي آسيا. وتبلغ مساحة هذا المستنقع المائي الشاسع نحو ٢٠ ألف كيلومتر مربع أي ضعف مساحة دولة لبنان، بل مع الأهوار الموسمية تبلغ المساحة نحو ٣٥ الف كيلو متر مربع. وتمتد الأهوار التي تبلغ حوالي الخمسين هوراً بين ثلاث محافظات جنوبية هي ميسان، ذي قار، والبصرة. وهي جزء لا يتجزأ من طرق عبور الطيور المهاجرة ما بين القارات، ودعم أنواع الحيوانات المهددة بالانقراض، واستمرارية مناطق صيد أسماك المياه العذبة، وكذلك النظام البيئي البحري في الخليج العربي. وإضافة إلى أهميتها البيئية، تعتبر مناطق الأهوار تراثاً إنسانياً لا نظير له، وقد كانت موطناً للسكان الأصليين من السومريين منذ آلاف السنين. وقد قدّر الباحث غافن يونغ عُمْرَ هذا المجتمع بخمسة آلاف سنة. واعتبرت أهوار العراق أرث طبيعي عالمي استثنائي مهم ووضعت من قبل المنظمة ألدولية للطبيعة ضمن قائمة المائة موقع الاستثنائي لمناطق البيئة في العالم التي يجب ألحفاظ عليها كمحميات طبيعية. والأهوار لها مميزات بيئية فريدة في العالم حيث اشتهرت اهوار العراق لفترة طويلة بمميزات بيئية فريدة قلما تجتمع في منطقة آخرى من العالم فهي تعد من ابرز نطاقات الأراضي الرطبة؛ ليس فقط في منطقة غرب آسيا بل في العالم اجمع. وفي الماضي القريب كانت هذه المنطقة تزخر بكل إشكال التنوع والثراء البيولوجي، تميزها بيئة معيشية خصبة وموارد طبيعية زاخرة بالكائنات الحية من طيور نادرة وحيوانات برية ومائية فريدة ونباتات متنوعة، حيث تحوي على ٦٠٪ من الثروة السمكية في العراق. وأتاح ثراؤها الطبيعي وموقعها الجغرافي أن تكون استراحة أو نقطة عبور رئيسية لملايين الطيور المهاجرة من روسيا حتى جنوب إفريقيا. وقد أدرجت الأهوار في العراق من قبل الامم المتحدة على لائحة التراث العالمي . وأعلن البرنامج البيئي في الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو في بيان مشترك إن الخطة ألتي تمولها ألحكومة الايطالية واليابانية تهدف إلى حماية الاهوار والحفاظ عليها وقال موقع الأمم المتحدة أن اهوار وادي الرافدين التي تعرف بالهلال الخصيب كانت مركز للثقافة ولتراث ثقافي فريد . لقد قام النظام البائد بفتح ستة أنهر لتفريغها من المياه، حيث تم تجفيف ٩٦٪ من الأهوار، وتم تهجير أكثر من ٣٠٠ الف مواطن من سكان ألأهوار، ولكن بعد عام ٢٠٠٣ قام الأهالي وبتنسيق علمي مع الدكتور عزام علوش بإعادة إحياء ٤٠٪ من الأهوار، وعاد الكثير من سكانها إليها، لقد أدى تجفيف الأهوار إلى إرتفاع كبير لمعدل درجات الحرارة في كافة أرجاء العراق، وإنخفاض نسبة الرطوبة، وزيادة كبيرة للعواصف الترابية، وزيادة التصحر، ولكن الآن تحسن الوضع بشكل كبير، ولكن لا زالت هناك خشية من إندثارها، إلا إذا أتخذت الإجراءات التي تم التطرق إليها في الفقرة (أ) أعلاه من نفس المقال.