اراء و أفكـار

العالم يتغير

يشهد العالم تحولات كبرى في العلاقات الدولية، ما يعني تغييراً في النظام الدولي الذي تتربع الولايات المتحدة على عرشه منذ مطلع تسعينات القرن الماضي.
لم تعد الولايات المتحدة قادرة وحدها على تحمل عبء هذا الدور، لكنها تسعى لأن تحتفظ بالصدارة، وهي تعلم أن القوى الدولية الصاعدة الأخرى تحاول على الأقل أن تكون شريكاً فاعلاً في هذا النظام.
منذ أن بدأ جورج بوش الابن يخوض معارك خاسرة في العالم تحت شعار محاربة الإرهاب، وتلحق بها هزائم عسكرية في أفغانستان والعراق، ومن ثم أزمات اقتصادية ومالية هائلة امتد تأثيرها إلى العالم أجمع، أخذ موقع الولايات المتحدة يهتز، وفقدت القدرة على الاحتفاظ به، فيما كانت قوى دولية أخرى تتأهب للخروج من حالة الكمون التي عاشتها.
هذه القوى الصاعدة كانت تدرك أن هدفها لن يكون سهلاً أو متاحاً إلا من خلال تشكيل قوة موحدة كي تواجه الولايات المتحدة. فتم تشكيل «البريكس» ثم منظمة شنغهاي اللتين تشارك فيهما الصين وروسيا بفعالية، وهما منظمتان قاريتان تضمان أكثر من نصف البشرية وأكثر من نصف الاقتصاد العالمي.
وعلى الصعيد السياسي بدأت هذه الدول تتحرك في المجال الحيوي الأمريكي في آسيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا والشرق الأوسط، وتحقق نجاحات ملحوظة من خلال استخدام القوة الناعمة والمساعدات غير المشروطة، فيما كانت الولايات المتحدة تتراجع في سياساتها وخياراتها الاستراتيجية نتيجة انعدام الرؤية والمواقف غير الواضحة وأحياناً الملتبسة.
كانت الصين وروسيا تتقدمان والولايات المتحدة تتراجع، وكان ذلك مؤشراً على أن تغييراً حتمياً سوف يحصل في النظام الدولي.
لعل السبب الأساسي في ذلك أن الولايات المتحدة اعتمدت على القوة وحدها في القبض على النظام الدولي، وعلى سوء إدارة في علاقاتها مع الدول الأخرى، ومن بينها القوى الحليفة لها التي تعاملت معها على أنها مجرد دول تابعة تنفذ ما تريد، فيما لجأت الصين وروسيا إلى أسلوب الشراكة والتعاون من دون شروط تملى على الدول الأخرى، وعلى مشاريع تنموية هائلة مع عشرات الدول مثل «طريق واحد- وحزام واحد» الذي أطلقه الرئيس الصيني شي جين بينج عام 2013 والذي يكلف مليارات الدولارات ويربط أكثر من 60 بلداً في آسيا وإفريقيا وأوروبا، إضافة إلى «بنك التنمية الجديد» الذي أسسته دول «البريكس» العام 2014 كمؤسسة مالية عالمية بهدف تمويل مشاريع في تكتل «البريكس» برأسمال يبلغ 100 مليار دولار.
وفي موازاة ذلك كانت الصين وروسيا تحثان الخطى في تطوير ترسانتهما العسكرية براً وبحراً وجواً لحماية الاستراتيجية التي وضعتاها للمشاركة في النظام العالمي.
في المقابل، يتضح أن تحرك الإدارة الأمريكية الحالية ومواقفها التصادمية مع الكثير من دول العالم ومن بينها الدول الأوروبية الحليفة، إنما هو تعبير عن فشل في استيعاب التغييرات على الساحة الدولية، وإصرار على عدم التنازل عن موقع قيادة النظام الدولي الذي بدأ يهتز بعنف.

“الخليج”

مقالات ذات صلة