اراء و أفكـار

العقوبات النفطية على إيران

وليد خدوري

صرح مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية بأن واشنطن «لن تقدم أي استثناءات في ما يخص العقوبات الأميركية على إيران»، وأنها تنوي مطالبة الصين والهند بوقف شراء النفط الإيراني، قبل حلول 4 تشرين الثاني (نوفمبر). وأضاف «بالتأكيد ستكون الشركات الصينية والهندية مستهدفة بالعقوبات ذاتها، التي ستفرض على الجميع»، مؤكداً أن واشنطن «ستطالبهم بالتأكيد بوقف وارداتهم النفطية.» وتابع «أن الولايات المتحدة ستطالب حلفاءها في كل أنحاء الشرق الأوسط بضمان توفير إمدادات النفط العالمية، قبل دخول العقوبات على إيران حيز التنفيذ». ويذكر أن إيران تنتج 4 في المئة من النفط العالمي وتصدر ما يقارب 450 ألف برميل يومياً إلى أوروبا و1.8 مليون برميل يومياً إلى اسيا.
وأدت تصريحات المسؤول الأميركي بعيد اجتماع المجلس الوزاري لمنظمة الأقطار المصدر للنفط «أوبك»، إلى ارتفاع الأسعار إلى 78 دولاراً، على رغم أن قرار «أوبك»، مع غموضه، كان سيؤدي في نهاية المطاف إلى ارتفاع الإنتاج ما بين 600 إلف ومليون برميل يومياً اعتباراً من تموز (يوليو). وتخوفت الأسواق من كميات النفط التي من الممكن انقطاعها عن الأسواق خلال النصف الثاني من السنة. فإضافة إلى العقوبات على إيران، هناك العقوبات الأميركية على فنزويلا والنزاعات في ليبيا ونيجيريا. كما رافقت المخاوف البيانات الأسبوعية لانخفاض المخزون النفطي الأميركي. وسادت التساؤلات فيما إذا كانت «أوبك» متمكنة ومستعدة لتعويض النقص. لكن، أكدت تصريحات وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودي خالد الفالح، حرص السعودية على توفير الإمدادات لاستقرار الأسواق، وتصريح الرئيس التنفيذي لشركة «أرامكو السعودية» أمين الناصر، بأن الشركة تنتج نحو 10 ملايين برميل يومياً، ولديها القدرة لإنتاج 12 مليون برميل يومياً. أدت هذه التطمينات إلى عودة الأسعار لمعدلاتها السابقة 70- 75 دولاراً بدلا من ارتفاعها السريع إلى نحو 78 دولاراً. وأفادت مصادر وكالة «بلومبرغ» بأن السعودية تستهدف رفع إنتاجها النفطي في تموز إلى مستوى تاريخي عند 10.8 مليون برميل يومياً لأجل تهدئة الأسواق، وهو أعلى مستوى إنتاج للسعودية حتى الآن إذ كان المستوى القياسي السابق 10.72 مليون برميل يومياً سجلته في تشرين الثاني (نوفمبر) 2016. ويتوقع أن ترفع روسيا والإمارات والكويت والعراق الإنتاج أيضاً. تمتاز صناعة النفط السعودية بالصدقية، في إمكان زيادة إنتاجها بسرعة إلى المعدلات التي يعلن عنها المسؤولون النفطيون. وتنبع الصدقية من التجارب الكثيرة التي التزمت بها السعودية لتعويض النقص في الأسواق وتلبية الطلب على نفوطها. كما تتميز بقدرتها على التزويد بالنفوط الثقيلة والمتوسطة (وهي التي تنتجها إيران) إضافة إلى النفط الخفيف. بمعنى أن من الممكن أن تزود «أرامكو السعودية» الشركات بالأنواع النفطية الإضافية للشركات إذا اقتضت الحاجة.
من المتوقع أن يشكل إحلال النفط السعودي محل النفط الإيراني اعتراضات وانتقادات من قبل طهران. لكن، وكما دلت عليه التجارب السابقة، خصوصاً عند إحلال النفط السعودي محل النفط العراقي في عقد التسعينات، اقتصر الخلاف على تأزيم المواقف ضمن «أوبك»، خصوصاً عند توزيع الحصص. تعتبر الصين والهند أكبر دولتين مستوردتين للنفط الإيراني. وتدرج الشركات الصينية الكبرى أسهمها في البورصات الأميركية، ما يجعلها عرضة للعقوبات الأميركية. وتستطيع واشنطن معاقبة الدول التي تشتري النفط الإيراني وتدفع بالدولار، فكل المعاملات الدولارية يتم تخليصها عبر المصارف الأميركية. من ثم، بإمكانها وقفها أو وضع اليد عليها. هناك ممانعة هندية للالتزام بالعقوبات الأميركية. إذ صرح مصدر هندي أن بلاده تزمع استخدام الروبية لتسديد ثمن النفط الإيراني المستورد للاستهلاك الداخلي (تصدر المصافي الهندية كميات ضخمة من المنتجات البترولية للأسواق الآسيوية). وصرح وزير الخارجية الهندي أن بلاده لن تنفذ العقوبات الأميركية. فهي تلتزم فقط بالعقوبات الصادرة عن الأمم المتحدة. ويعني امتناع الهند عن تنفيذ العقوبات خلق ثغرة مهمة في نظام العقوبات، نظراً لما تشكله الهند من سوق ضخم للصادرات الإيرانية. وأسست روسيا والصين نظاماً للتبادل التجاري بينهما يستعملان فيه الروبل واليوان. كما أن «بورصة شنغهاي للتعامل الدولي في الطاقة» تتعامل باليوان. وهناك إمكانات متاحة للصين لتلافي العقوبات، لكن من غير الواضح كيفية استعمالها. وهناك تعقيد إضافي في حال الصين هو بدء الحرب التجارية مع واشنطن.
وأضاف المسؤول الأميركي ، في تصعيد للإجراءات، أن بلاده «لن تقدم أي استثناءات في ما يخص العقوبات الأميركية على إيران».
وأدى هذا التصعيد والتأكيد على الإجراءات التي تنوي واشنطن تصعيدها، إلى نشوب ردود فعل سريعة في إيران. فتدهورت قيمة الريال تجاه الدولار. وأغلق «البازار» في طهران وشهدت تظاهرات تندد بتدهور العملة وتدخل إيران في سورية. نتج عن تصعيد الضغوط هبوط العملة الإيرانية هبوطاً قياسياً أمام الدولار. ولم تشهد العملة الإيرانية انهياراً حاداً مماثلاً حتى في فترة العقوبات الدولية في عهد الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد. وعبر سعر الدولار حاجز 85 ألف ريال، مسجلاً أعلى نسبة انهيار في تاريخ العملة. لدى إيران نقاط قوة في مواجهة العقوبات. فهي تملك خبرة طويلة في الالتفاف على العقوبات النفطية. كما لديها الخبرة في التعامل اقتصادياً مع انهيار الريع النفطي، خصوصاً إذا استقرت الأسعار عند نحو 70 دولاراً. لكن تواجه إيران صعوبات في نزوح الشركات البترولية الدولية («توتال» و»مرسك» الأوروبيتين) ، إضافة إلى شركات نفطية يابانية. ونقطة الضعف الإيرانية الأهم هي نظامها المصرفي الذي لم تطاوله الإصلاحات اللازمة بسبب الصراعات السياسية مع حكومة الرئيس حسن روحاني. فالمصارف تشكل النقطة الأضعف للنظام. ففي حين ستتمكن الصناعة النفطية من استعادة علاقاتها الدولية وأسواقها بعد فترة وجيزة من رفع العقوبات، كما حدث سابقاً، ستبقى المصارف معزولة عن النظام المالي العالمي وتجد صعوبة في إيجاد الحلول للوضع المالي الداخلي. والسؤال الأساسي: هل ستوفر العقوبات فرصة لواشنطن لإدخال التعديلات التي تطالب بها على الاتفاق النووي، والضغط على إيران للحد من توسيع نفوذها في الشرق الأوسط.

نقلا عن الحياة

مقالات ذات صلة