أوروبا تبحث عن أمنها
يبدو أن أوروبا لم تعد تثق بأحد لحمايتها، لا بالولايات المتحدة ولا بحلف الأطلسي. أوروبا بدأت تشعر أن أمنها لا يتحقق إلا من خلال قوتها هي وليس بقوة الآخرين الذين قد يتخلون عنها في أية لحظة، خصوصاً أن العلاقات داخل حلف الأطلسي ليست على ما يرام بعدما اتضح لها أن الولايات المتحدة تريده مجرد ذراع عسكرية لها يكون في خدمة مصالحها متى أرادت، وبعدما تبين لها أن الإدارة الأمريكية الجديدة تضع شروطاً صعبة لبقاء الحلف كما كان، وهي تعمل على توتير العلاقات معها من خلال إجراءات اقتصادية وتجارية لا تراعي فيها علاقات تحالف ممتدة لعشرات السنين، كما تتعمد الإخلال باتفاقات دولية وقعت عليها الدول الأوروبية مثل اتفاق المناخ والاتفاق النووي مع إيران.
في آخر اجتماع عقد بين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جرى الاتفاق على ضرورة تشكيل «مجلس أمن أوروبي» من أجل تعاون أوثق عبر اتخاذ قرارات استراتيجية في إطار الاتحاد الأوروبي، تختص بقضايا السياسة الخارجية والأمن، أي أنه إطار يعبر عن شخصية الاتحاد الأوروبي ومصالحه ككيان جيوسياسي.
في العام 2015 دعا رئيس المفوضية الأوروبي جان كلود يونكر لإنشاء جيش أوروبي موحد على خلفية قيام روسيا بضم شبه جزيرة القرم، وقال «إن تشكيل هذا الجيش سيساعد على وضع سياسة خارجية وأمنية مشتركة، وأن تحالف الأطلسي (الناتو) ليس كافياً، لأن بعض الأعضاء المهمين فيه ليسوا أعضاء في الاتحاد الأوروبي».
يوم الاثنين الماضي أبرمت فرنسا وألمانيا وبلجيكا وبريطانيا والبرتغال وإسبانيا اتفاقاً في لوكسمبورج تحت مسمى «مبادرة التدخل الأوروبية» يقضي بتشكيل قوة تدخل سريع لمواجهة الأزمات. وقالت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي: «قناعتنا أن الأوروبيين ينبغي أن يكونوا أقوياء وأكثر قدرة على حماية أنفسنا وسيادتنا».
من الملاحظ أن هذا الاتفاق تم خارج حلف الأطلسي، أي أن قيادته ستكون أوروبية بالكامل وأيضاً عديده وأسلحته وخططه، وبذلك تريد أوروبا أن تعتمد على نفسها وعدم انتظار حماية الغير كما كانت الحال بعد الحرب العالمية الثانية حيث كانت الولايات المتحدة تقوم بهذا الدور مع حلف الأطلسي في مواجهة الاتحاد السوفييتي وحلف وارسو إبان الحرب الباردة.
تطبق الدول الأوروبية المثل الذي يقول «ما حك جلدك غير ظفرك»، كي لا تبقى رهينة إرادة الآخرين، ثم كي تؤكد أنها ليست «القارة العجوز» التي تحتاج دائماً لمساعدة الآخرين في مواجهة الأزمات التي قد تواجهها.
إذا كانت الدول الأوروبية التي تضم دولاً مختلفة المشارب والقوميات واللغات والمصالح قد اتفقت على مواجهة موحدة للتهديدات والمخاطر والتحديات، وأرست قواعد لمحور قوة جديد من خلال تدشين قوة عسكرية موحدة، ألا يقتضي ذلك سؤالاً عن حال العرب وفشلهم في أن تكون لهم قوة موحدة تواجه المخاطر والتهديدات التي تحيق بهم يومياً من كل حدب وصوب؟
مع الأسف، هذا سؤال لن نجد جواباً عليه في المدى المنظور!
“الخليج”