«غوانتنامو»… ويسألون لماذا يكرهوننا؟
هيفاء زنكنة
إذا كان العالم مشغولا، هذه الايام بمطالبة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، باطلاق سراح أطفال المهاجرين، ومعاملتهم بإنسانية، فان هناك حملة مطالبة أخرى، موجهة إلى ذات الادارة، وان لم تكن هي المسؤولة عنها. ففي هذا الشهر من عام 2002، تم افتتاح معتقل غوانتنامو. ولايزال بعد مرور 16 عاما وخمسة أشهر «رمزا للظلم وسوء المعاملة وتجاهل سيادة القانون»، حسب « اتحاد الحريات المدنية الأمريكي». وتعتبر الاوساط الحقوقية هذا المعتقل بداية انحراف مريع في سير العدالة والقانون، في أغلب بلدان العالم، كما على مستوى الشرعية الدولية. لذلك يرون التعامل معه رمزا، أيضا، لاسترجاع المسيرة الحضارية.
يطالب الاتحاد، ومعه العديد من المنظمات الحقوقية الدولية، باغلاق المعتقل الذي افتتح بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ ايلول. كان هدف اقامة المعتقل، في جزيرة غوانتنامو خارج الأراضي الأمريكية، أن يكون «خارج القانون»، بمعنى، احتجاز المشتبهين بالإرهاب، الذين تم بيع معظمهم إلى وكالة المخابرات المركزية، من قبل ميليشيات افغانية، مقابل «جوائز مالية»، ونقلهم للتحقيق، اولا، إلى سجون سرية تابعة للوكالة، في العديد من البلدان، من بينها تايلاند وأفغانستان وبولندا والمغرب، دون وجود ما يثبت مشاركتهم بعمليات إرهابية، واستجوابهم، واخضاعهم للتعذيب والمعاملة الوحشية، وابقاؤهم محتجزين بلا تحديد.
منذ افتتاح المعتقل في عام 2002، أحتجز فيه 800 رجل وصبي، كلهم بلا استثناء من المسلمين، دون تهمة أو محاكمة، حيث قضى العديد منهم ما يقارب العشر سنوات في أقفاص وزنزانات، وتعرضوا، جميعا، للتعذيب الوحشي المهين، من بينه الاغتصاب، والايهام بالغرق الذي تبنته الادارة الأمريكية برئاسة جورج بوش، كأسلوب مقبول للتحقيق، في تحدٍ للقوانين والمعاهدات الدولية التي تنظم معاملة السجناء.
وعلى الرغم من أن المحكمة العليا منحت المعتقلين حق السجناء، بمقتضى الدستور في حزيران/يونيو 2008، إلا أن هذه الحقوق تم إلغاؤها بقرارات من محكمة الاستئناف في الفترة بين عامي 2009 و 2011، مما جعل عملية الاحضار امام المحكمة بلا معنى، بل وزادت من معاناتهم، فالرحلة من وإلى قاعة المحكمة صعبة للغاية، ولا يستطيع الكثيرون الجلوس، لفترات طويلة، بسبب أشكال التعذيب الجنسي الحادة التي تعرضوا لها، حسب تقارير الاتحاد. فحين سمح باجراء عملية جراحية في المستقيم عام 2016 للمعتقل مصطفى الهوساوي، تبين أنه بسبب تعرضه للاغتصاب بشدة بعد اعتقاله في باكستان عام 2003، «كان عليه، عندما يكون لديه حركة أمعاء، للتغوط، أن يعيد إدخال أجزاء من المستقيم عبر فتحة الشرج مرة أخرى إلى تجويفه مما يسبب له نزيفا، وآلاما مبرحًة».
واذا كان تقرير اللجنة الخاصة بمجلس الشيوخ الأمريكي قد وثق بعض أساليب التعذيب التي تعرض لها المعتقلون، فانه لم يذكر التفاصيل كلها، كما تدل شهادة المعتقل الباكستاني ماجد خان التي جمعها محاموه، بعد ان وقع، بعد تعذيبه، على اعتراف بارتكابه خمس تهم، واستعداده للتعاون مع وكالة الاستخبارات. يقول خان ان الوكالة استخدمت أساليب من الاعتداءات الجنسية وأشكال تعذيب اخرى، حيث ابقى المحققون خان معلقا من يديه، عاريا ومغمورا في أحواض من الماء المثلج. «اعتُدي عليه جنسيا وهو معلق عارياً من السقف. هدد المحققون بضرب رأسه وهددوا بالاعتداء على أخته الصغيرة. عاش ماجد في ظلام دامس طوال معظم عام 2003، وفي الحبس الانفرادي من 2004 إلى 2006».
أما المعتقل الموريتاني محمد ولد صلاحي فقد تمكن من تدوين ما مر به، ونشره في كتاب «يوميات غوانتنامو»، موثقا بذلك عشر سنوات من احد أوجه «الحرب الأمريكية على الإرهاب». من بين ما تعرض له الحرمان المستمر من النوم، ومنعه من الصلاة، والانتهاكات الجنسية، والاغتصاب لتلقينه درسا في «الجنس الأمريكي».
واحتجز الصحافي سامي الحاج مدة ستة اعوام ونصف، بالمعتقل، تعرض خلالها لأساليب مختلفة من العذاب «ضرب، أمور جنسية، إهانة ديننا، الحرمان من النوم… من كان يرفض تناول الطعام أو كان يرفض الإجابة على سؤال ما أثناء الاستجواب كان يعاقب. أحيانا يضعون المعتقلين في الماء، حتى يظنوا بأنهم سيموتون… أحيانا مع كلاب… أو مع مخدرات. بعض المعتقلين تم حقنهم بحقن تحرمهم من النوم وتجعلهم يهلوسون». وتزداد المعاملة قسوة إذا ما اضرب المعتقل عن الطعام. حيث يجبر، حينئذ، على التغذية القسرية عن طريق الشرج «لابقاء المعتقل على قيد الحياة»!
اليوم، لا يزال في معتقل غوانتنامو الذي افتتحه وبارك اساليب التعذيب فيه، الرئيس الأسبق بوش عام 2002، 41 محتجزا، ورثهم الرئيس ترامب من سلفه الرئيس اوباما الذي كان واحدا من وعوده الانتخابية اغلاق المعتقل، الا انه لم ينفذ وعده. أطلق ترامب سراح معتقل واحد وهناك تسعة، صدر قرار الافراج عنهم، منذ سنوات، الا انه لم ينفذ حتى الآن. أما البقية، فانهم مصنفون كـ»سجناء إلى الابد». وهو تصنيف جديد خارج طريقة التعامل القانوني « لحرمان فرد من حريته: إما كمشتبه به جنائي، ليتم محاكمته في محكمة فدرالية ؛ أو أسير حرب، محتجز حتى نهاية الأعمال العدائية»، حسب اتحاد الحريات. ولايمكن اطلاق سراحهم الا حسب مزاج الرئيس، أو تغيير قانوني من قبل الكونغرس الأمريكي، أو قرار قضائي تاريخي. ولا يبدو ان أيا من هذه الاحتمالات متوقع تحت ادارة ترامب في الوقت الحاضر.
تركز الحملة الحالية على مطالبة ترامب على توجيه الاتهام أو إطلاق سراح أولئك الذين ما زالوا محتجزين، ومن ثم اغلاق المعتقل. اذ ان «كل يوم يظل غوانتنامو فيه مفتوحًا، هو علامة سوداء ضد فكرة أمريكا عن نفسها كدولة تقوم على سيادة القانون»، وان استمرار الحكومة الأمريكية في إدامة أسطورة «حرب بلا نهاية»، كمبرر مفترض لاحتجاز السجناء إلى أجل غير مسمى، من دون تهمة أو محاكمة « سياسة لا مبرر لها خاصة بعد ان اثبتت فشلها الكارثي على عدة جبهات». ويكفي ان ننظر إلى ما حدث في أبو غريب، وفي معتقلات التعذيب بالنيابة، المنتشرة كالبثور في الدول التابعة لسياسة الحرب الأمريكية على الإرهاب، حتى ندرك حجم العواقب على العالم وعلى أمريكا نفسها، جراء سياستها الخارجية، المتمثلة، بين أمثلة أخرى، بغوانتنامو وبدلات معتقليه البرتقالية.
“القدس العربي”