اراء و أفكـار

روسيا وإسرائيل والحرب في سوريا

حتى وقت قريب، شهد احتفال يوم النصر في روسيا تدفق حشود من الشخصيات الأجنبية إلى موسكو للوقوف جنباً إلى جنب مع قدامى المحاربين في روسيا في الحرب العالمية الثانية.

لكن هذا العام اجتذب اثنين من زعماء العالم، وهما الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وزار المسؤولان موسكو في 9 مايو لحضور موكب يوم النصر في الميدان الأحمر وعقدا اجتماعا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي انتخب كرئيس للبلاد للمرة الرابعة قبل ذلك بيومين فقط.

لكن بالنسبة لنتنياهو، فإن ذكرى الانتصار السوفييتي على ألمانيا النازية لم يكن العنصر الوحيد في قائمة مهامه.

وعلى الرغم من أن معظم الدول الأوروبية احتفلت بنهاية الحرب العالمية الثانية في 8 مايو، لكن في يوليو من العام الماضي، مرر الكنيست الإسرائيلي مشروع قانون يجعل يوم النصر يوماً وطنياً في 9 مايو.

وحقيقة اختيار إسرائيل لمواءمة إحياء الذكرى مع روسيا هي مثال مهم على الروابط الوثيقة بين نتنياهو وبوتين ودولتيهما. وعلى الرغم من أن الاحتفال في إسرائيل كان الأول من نوعه، إلا أن نتنياهو اختار السفر إلى موسكو في ذلك اليوم.

جلس نتنياهو إلى جانب بوتين وأحد المحاربين القدامى الروس في الحرب العالمية الثانية الذين شاركوا في تحرير أوشفيتز، واستعرضوا موكبا من المعدات العسكرية الروسية التي قد تكون وجهتها القادمة إحدى ساحات المعارك في سوريا.

جاءت زيارة نتنياهو بعد ساعات فقط من قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من الصفقة النووية الإيرانية، وهي الخطوة التي أعقبتها سلسلة من الضربات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت المواقع الإيرانية في سوريا.

وبدلاً من الاحتفال بيوم النصر، من المرجح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي ذهب إلى موسكو لإجراء محادثات شخصية مع بوتين بشأن قرار تسليم روسيا أنظمة الدفاع الجوي S-300 إلى دمشق.

وسيكون بيع المعدات العسكرية أحد بنود جدول الأعمال في نقاش أوسع نطاقا سيجري لاحقا حول مدونة السلوك الخاصة بالبلدين في سوريا.

فبعد الهجوم الصاروخي الأميركي على سوريا في أبريل الماضي، قررت روسيا المضي قدمًا في إرسال شحنات أنظمة الدفاع الجوي S-300 إلى دول الشرق الأوسط، بما في ذلك سوريا. وأثار قرار موسكو قلقا في إسرائيل. ففي عام 2010، كانت اعتبارات أمن تل أبيب هي التي دفعت روسيا في الواقع إلى إلغاء هذه الشحنات إلى دمشق، على الرغم من أنه بدا أن نتنياهو فشل في إقناع بوتين مجددا الآن بعدم المضي قدماً في شحنها، إذ أشارت التقارير الأخيرة إلى أنه قرر شحنها فعلا. ومع ذلك، أصبحت هذه القضية بالتأكيد ورقة مساومة أخرى للكرملين مع تل أبيب.

وبعد زيارة استغرقت 10 ساعات فقط في موسكو، يبدو أن نتنياهو حصل على ما أراد بشأن تعهد روسيا بعدم الحد من النشاط الإسرائيلي في سوريا. على الأرجح، جاء هذا الترتيب أيضاً بثمن بالنسبة لنتنياهو، الذي من المرجح أن يتبع قواعد صارمة.

وسيتعين عليه التأكد من أن موسكو على علم مسبق بأية ضربة إسرائيلية على سوريا، وأن الأفراد العسكريين أو البنية التحتية الروسية لن تطالها الضربات الإسرائيلية. ومن شأن هذا الترتيب أن يسمح لموسكو بتقليل الضرر الناجم عن الهجمات المحتملة على الأهداف السورية والإيرانية من خلال إتاحة الفرصة لإبلاغ حلفائها قبل الهجمات.

وكدليل على ذلك، شهدت الليلة التي تلت لقاء نتنياهو مع بوتين جولة أخرى من التصعيد في سوريا. وأطلقت إسرائيل ما وصف بأنه أكبر هجوم على الأهداف الإيرانية في سوريا. وضربت الطائرات الإسرائيلية عشرات المواقع الاستخباراتية ومستودعات الأسلحة وغيرها من الأهداف العسكرية التي يعتقد أن القوات الإيرانية تديرها.

وتحتفظ إسرائيل بقدراتها على مهاجمة أهداف في سوريا، مما يدل على نهجها الصارم هناك. والأكثر من ذلك، فهي قادرة على شن هجمات دون إفساد العلاقات مع موسكو. ولا يزال بإمكان روسيا الوقوف مع سوريا، إضافة إلى حصولها على نفوذ إضافي في شكل معلومات عن الضربات الإسرائيلية الوشيكة.

خلاصة القول هي أن روسيا ستستمر في تفهم المخاوف الأمنية الإسرائيلية ولن تحد من هجماتها على سوريا. وفي الوقت نفسه، على تل أبيب أن تسترضي موسكو باختيار أهدافها في سوريا بمسؤولية كبيرة علاوة على إعلام روسيا مسبقا عن أي هجمات.

ألكسي خليبنيكوف

محلل استراتيجي روسي

 

مقالات ذات صلة