اراء و أفكـار

ليبيا..المعركة مستمرة

لم تنعم ليبيا يوماً بالهدوء منذ سقوط نظام العقيد القذافي العام 2011، والسبب أن البلاد دخلت في متاهة الصراعات المحلية التي اختلطت بأجندات إقليمية ودولية، ثم انضمّت إلى هذا الركب المجنون قوى التطرف والإرهاب من جماعة «الإخوان المسلمين» وتنظيم «داعش»، لعلّهم يحصلون على حصة في الكعكة الليبية التي كثر من حولها حملة السكاكين لاقتسامها.
تحوّلت ليبيا بفعل ذلك إلى مأدبة، تكالب عليها اللئام من كل صنف ولون ونوع، فتشكلت الجيوش الخاصة والميليشيات وما هبّ ودبّ من مجموعات مسلحة تحمل مسميات مختلفة، لكن أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها شراذم من المرتزقة.
المصيبة الأدهى أن الدولة تلاشت وصارت البلاد بلا سلطة ولا رأس، بل تعددت السلطات وصارت ثلاث، وكذلك البرلمان، والحكومة تشظّت إلى حكومات مناطق، إما الجيش فصار جيوشاً، وبقي الشعب الليبي وحده يدفع أثماناً باهظة، لأنه تحوّل إلى ضحية كل هؤلاء الطامعين بالثروة والنفط. ولكل ذلك فشلت كل الجهود والمحاولات لإيجاد قواسم مشتركة يتفق عليها الجميع، لإنهاء مأساة طالت، لكن بدا أن ما يتم الاتفاق عليه في النهار يمحوه الليل، حتى يكاد هذا الليل بلا نهاية.
يحاول الجيش الليبي الذي يقوده المشير خليفة حفتر تعزيز أركان الدولة وحماية مقدرات البلاد وثرواتها، في مواجهة قوى الإرهاب والتطرف، وكانت معارك تحرير بنغازي من «داعش» وأخواتها بداية معركة طويلة تواصلت بالعمل على تحرير مدينة درنة التي تكاد تصل إلى خواتيمها. ثم فجأة اندلعت معارك الهلال النفطي في رأس لانوف والسدرة، حيث شنّت مجموعات مسلّحة بقيادة المدعو إبراهيم الجضران هجوماً قامت خلاله بإحراق عدة خزانات نفط، ما اضطر الجيش الليبي إلى القيام بعملية عسكرية سريعة، أدت إلى تحرير راس لانوف والسدرة وتقوم بمطاردة المسلحين غرباً.
كان هدف الجضران، وهو من قبيلة «المغاربة» الذي طالما تحدى السلطات الانتقالية منذ العام 2011، هو تخفيف الضغط عن الجماعات الإرهابية في درنة والاستيلاء على منطقة الهلال النفطي التي تعتبر المصدر الأساسي للثروة النفطية وتصديرها إلى الخارج.
كل هذه التطورات جاءت بعد اجتماع باريس الأخير الذي دعا إليه الرئيس ماكرون، مختلف أطراف الأزمة الليبية والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، إضافة إلى أطراف إقليمية ودولية، بهدف وضع خريطة طريق تضع أساساً للتسوية السياسية في ليبيا. ورغم الاتفاق على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية أواخر العام الحالي، مقدّمة للحل المفترض، إلا أن التطورات الميدانية التي تلت اجتماع باريس أكدت أن النوايا شيء والأقوال شيء آخر، وأن ما تم الاتفاق عليه يبدو عسير التنفيذ، لأن القوى الدولية التي تتصارع على الساحة الليبية، أو بالأحرى على الثروة الليبية بواسطة قوى محلية، ومن بينها مجموعات إرهابية، لم تستكمل مخططاتها بعد، والمطلوب المزيد من المواجهات والمعارك في أكثر من مكان.
“الخليج”

مقالات ذات صلة