كوريا الشمالية… دولة اللادولة
محمد عبد السميع عامر مراد
نجحت كوريا الشمالية في إجبار الولايات المتحدة على الجلوس معها للتفاوض، اعتماداً على سوء التقدير الذي ينتهجه الرئيس دونالد ترامب في التعاملات الدولية وقلة خبرته السياسية والعسكرية التي لا تليق بقوة أميركا، وكأن أميركا لا تعرف حجمها. مجرد تهديد أجوف من دولة صغيرة- وهي في الحقيقة ليست دولة بالمعنى التقليدي- وقع ترامب في حيلة سياسية اخترعها «الطفل المعجزة» كيم اون.
أمس، كانت إيران واتفاقيتها الغريبة وغير المقنعة والتي صارت حبراً على ورق، وتلاعبت إيران بأميركا. واليوم كوريا، دولة اللادولة، ترغم أميركا على الجلوس والتفاوض معها.
أتذكر الآن الوقت الذي قضيته هناك في عام 1983، عندما عشت ثلاثة شهور في معسكر مغلق ومقفل عن كل العالم، نزلاؤه شعب مغلوب على أمره، لا يعرف شيئاً عن العالم الذي يحيط به، ويعتبر أن بلده (كوريا الشمالية) الجنة، وما وراءهم أو خلفهم جهنم. هكذا أقنعهم حكامهم بأنهم أرقى شعوب العالم. عاشوا أكثر من ثمانين عاماً في خداع وفي عزلة مفروضة عليهم بالحديد والنار، لا يعروفون من الحياة والدنيا والدين سوى أنفسهم، حتى أنهم اخترعوا لأنفسهم مذهباً خاصاً بهم يمجدون فيه أنفسهم أسموه «الغوتشية»، ومعناها أن الإنسان هو أساس كل شيء وهو محور الكون وقادر على كل شيء. هكذا اخترعوا فكراً يخدم ويثبت حكماً ديكتاتورياً ليس له مثيل في العالم. من لا يعمل لا يأكل. مبدأ صارم مهما كان عمر هذا الإنسان، 90 عاماً أو أكثر أو أقل، ونهاية عمره أن يترك في الجبال والمحاجر والمناجم ليعمل حتى لا يحرم من طبق الأكل الوحيد في اليوم وهو عبارة عن طبق أرز أبيض في حجم طبق شوربة صغير هو نصيبه اليومي نتيجة عمله. رأيت تلك الأشباح الآدمية على سفوح الجبال وفي أيام الشتاء وأثناء هطول الثلج، تسير في طوابير وسط الثلوج، وعلى ظهور أفرادها حجارة لم أعرف ما هي.
اليوم هذه الدولة تهدد أميركا بتدميرها ببعض قطع الحديد والخردة التي وضعتها على سيارات في عرض عسكري مستفز وكوميدي، وهي نتاج فكر وتصنيع تلك الدولة، أو ما يعتبرون أنه دولة. نسخ من الصواريخ الصينية والروسية في شكلها وفي حجمها! هل يعقل أن ينتج هؤلاء هذا المسخ؟ وهل تسمح لهم تلك الدول أن يصنعوا وينتجوا تلك الأسلحة؟
من عاش وسط هؤلاء يعرف هذا جيداً. أما من يقارن ويكتب نظريات ودراسات في الاستراتجيات، وهو في قارة أخرى، فهو يكتب وهماً وخيالاً، وأهم من كل هذا أن أميركا تعرف الحقيقة جيداً وتعرف الكثير عن هذا الخداع وأن معظم تجارب الإطلاق التي تدعيها كوريا هي عمليات فاشلة ودعاية كورية موجهة الى الشعب الكوري بالأساس للاستمرار في منظومة الخداع، لكن أميركا لا تعلن الحقيقة وتتركهم يعيشون في ما هم عليه.
ما هي الدولة؟ أول بند في تعريفها هو شعبها وتكوينه وفكره وحياته. تلك أسس الدولة، أي دولة في العالم لها شعب ذو صفات وله أهداف، فإذا كانت كوريا الشمالية تفتقد الى هذه الأسس فمعنى ذلك أنها ليست دولة وهذا ليس ذنب شعبها بل ذنب من حكمها بالحديد والنار. يكفي أن تعرف أن مفهوم الأسرة غير موجود في تلك البقعة من الأرض. لا أب ولا أم. الجميع يعيشون في مبان من 15 دوراً، كل مبنى مقسم الى حجرات، يعيش في كل حجرة عدد من الرجال والنساء معاً. والحجرات بلا أثاث ولا أسرة أو خزائن! الجميع يفترشون الأرض، وغير مسموح بانجاب أكثر من طفل يسمونه ابن كيم آيل سونغ، ويضعون الأطفال في معسكر حيث يتم تربيتهم علي الأسلوب الشيوعي الذي ليس له نظير في العالم. ويمكن للأب (الأب الفعل ) رؤية ابنه بعد فترة يحددها الحزب الشيوعي والزعيم.
التفجير الأخير الذي أجرته كوريا وتسبب في ما يشبه هزة أرضية، هو آخر ما توصل اليه حاكم كوريا، ليقنع العالم بأنه قادر على الدخول في مواجهة مباشرة مع أميركا، والأرجح أنها مناورة كورية روسية صينية مشتركة هدفها إرسال رسالة الى أميركا.
“الحياة اللندنية”