اراء و أفكـار

أمل ليبيا يحترق

مفتاح شعيب

يختزل مشهد احتراق خزانات للنفط الخام في ميناء رأس لانوف الوضع الليبي المحافظ على انقسامه وتجاذباته، فمن يتعمد إهدار واحد من أهم الثروات الوطنية يعمل على نسف كل مقومات النهوض، ويدفع بالبلاد إلى انهيار أكبر، وفشل أعمق، ويوفر المزيد من المطايا للتدخلات الأجنبية بمختلف الأشكال، والألوان.
تخريب مقدرات الشعب الليبي تبدو سياسة ممنهجة تعتمدها بعض الأطراف المحلية لهدم أي محاولة لإنجاح الترتيبات السياسية الجارية للخروج من المأزق، فضلاً عن أنها تفاقم الواقع الاجتماعي لحياة المواطنين بضرب البنى التحتية للنفط، المورد المالي الوحيد تقريباً لخزينة الدولة. وأعلنت مؤسسة النفط الليبية أن الحرائق التهمت نحو 400 ألف برميل، وهي خسارة فادحة لا يمكن تداركها بسهولة، وجاءت ثمناً لسنوات من تغلغل الميليشيات، واستئثارها بالسيطرة على الشأن العام، ومقدرات البلاد.
ومع تفاقم الوضع الأمني في منطقة الهلال النفطي،
بدأت أسئلة عدة تدور عن سبب هذا التصعيد المفاجئ، والأطراف التي تقف خلفه. ويتبين من التفسيرات والتبريرات المتضاربة أن هناك نية لنسف كل جسور حل أزمة البلاد. ومثلما هناك أطراف محلية لا تريد هذا الحل، هناك قوى خارجية تحاربه، ولا تريد أية تهدئة، وهو وضع لم يتغير على امتداد سبع سنوات، ومن بين ثنايا ذلك يتبين الدفع بالبلاد إلى الإفلاس الشامل، وتهديد وحدتها.
في شرقي البلاد يخوض الجيش الوطني الليبي معركة صعبة ضد الجماعات الإرهابية في درنة، ولكنها معركة ضرورية، وحاسمة لاجتثاث أسوأ بؤرة للتطرف. ويبدو أن افتعال نزاع في منطقة الهلال النفطي بعد هجوم ميليشيات إبراهيم الجضران على ميناءي السدرة وراس لانوف، جاء بهدف الضغط على الجيش في درنة وجره إلى معركة تجبره على تخفيف الضغط على الجماعات الإرهابية، بما يمنحها فسحة للملمة فلولها المنهارة، وهذا ما ذهب إليه الناطق باسم الجيش أحمد المسماري، في حين تذهب تحليلات أخرى إلى اعتبار هذا الهجوم رسالة إلى الجهود الأممية التي يقودها المبعوث غسان سلامة، ليعدل من خطته ويضع في الحسبان نصيب الميليشيات والأطراف التي تقف وراءها. وفي هذا السياق هناك من ذهب إلى أن هذا الهجوم كان رداً على اجتماع باريس الأخير الذي وضع بادرة نوايا لإجراء انتخابات عامة، ومصالحة شاملة قبل نهاية هذا العام.
وبعيداً عن المخططات المتفائلة بنجاح ما، هناك أطراف عدة تعمل على قطع الطريق، ومنع أي بادرة أمل، وفي هذا السياق يندرج التصعيد في الهلال النفطي الذي يمهد إلى تحركات مشابهة من شأنها توسيع دائرة العنف والفوضى، بما يضع عوائق موضوعية تحول دون إجراء الانتخابات. ومن المفارقة أنه منذ اليوم الأول لهجوم ميليشيات الجضران، بدأت التحذيرات تتوالى من مغبة التسرع نحو إجراء انتخابات رئاسية، وبرلمانية، بحجة أنها ستغذي الخلافات والصراعات الدائرة بين الأطراف الليبية. فإلى الآن لم يتم التوافق على مسودة الدستور، ولم تترجم عملياً الدعوات إلى المصالحة، كما أن التنافر بين حكومة الوفاق في طرابلس، ومجلس النواب في طبرق، يزداد اتساعاً. وقد تؤدي أزمة الهلال النفطي إلى نسف كل «النوايا الطيبة» التي تم الإعلان عنها، ليتضح لاحقاً أن الذي يحترق في ميناءي راس لانوف والسدرة ليس النفط وحده، بل أيضاً بارقة الأمل التي طالما انتظرها الليبيون، ولم تتحقق.

“الخليج”

مقالات ذات صلة