اراء و أفكـار

الديمقراطية العراقية وحرائق السياسة

عــلــي حــســن الفــواز

المشهدُ السياسي غائمٌ، ومشوشٌ، ومثيرٌ للجدل، وأنّ البحث عن ضوابط وسياقات تؤطر آليات العمل في هذا المشهد ستكون غير مُتيسّرة، فضلا عن أنها ستكون محكومة بجملة من العوامل الضاغطة داخليا وخارجيا، حدّ أن(البعض) بات يتحدث عن مفهومات غرائبية تخصّ (نظرية المؤامرة) أو مايتعلّق بوهم(الدولة العميقة) وهي تصنيفات تعكس طبيعة التعقيدات والصعوبات التي تواجهها مسارات المشهد السياسي، والتي تضع عقبات كأداء أمام الخيارات الديمقراطية، وأمام حاجة الناس للاستقرار والتعايش والأمن، حدّ أنّ الحديث عن الديمقراطية بنسختها العراقية ستكون مجالا لتهويمات وتهديدات قد تضع الفهم والاجراء الديمقراطي الثقافي والمؤسساتي في موضع الشك والارتياب وعدم الثقة.
الحريق الذي طال مخازن خزن بطاقات الاقتراع الانتخابية يضع الجميع أمام تلك الشكوك، وربما أمام اسئلة حادة وصادمة، فمن الذي اختار هذه المخازن؟ وهل هي محمية من قبل جهات أمنية خاصة؟ وهل هذه المخازن ذات خدمات لوجستية تُؤمِّن محتوياتها؟ وهل هناك كاميرات خاصة ترصد الحركة داخل وخارج المخازن؟ ولماذا تم استهداف أجهزة فحص التزوير والحشو بالحرق قبل صناديق الاقتراع؟كلّ هذه الأسئلة ستدفع المراقب الى وضع علامات استهداف عن الجهة التي تقف وراء قصدية هذا الحريق، وعن طبيعة امكاناتها وقدرتها على الوصول الى المخازن لحرق صناديق الاقتراع دون أنْ يكشفها
أحد.
إنّ من يراهن على الفشل الانتخابي، وعلى تشويه العملية الديمقراطية هو المسؤول على هذه الجريمة، ولكي يمحو آثار الفشل فإنّ عملية حرق صناديق الاقتراع وضياع خيارات الناس كانت نوعا من التحدي، والمجاهرة بخلط الأوراق لغرض تعمية الواقع الانتخابي، ولكي تكون المطالبة بإعادة عملية الانتخابات سهلة ومقبولة، رغم أنّ هذه الإعادة ستكون خيارا صعبا، لأنها الأشبه بالذهاب الى الفوضى، والرهان على المجهول..

ماجرى وما سيجري
إذا كانت العملية الانتخابية التي جرت في الثاني عشر من الشهر الماضي قد شابها كثير من اللغط، وتعرّضت لمقاطعة كبيرة، ومن جمهور واسع، فإنها وضعت نفسها أمام التباسات أكثر تعقيدا بعد اعلان نتائج التصويت الالكتروني، لاسيما الطعون حول التصويت في الخارج، وفي مناطق النازحين، وفي بعض المناطق المحررة من داعش الارهابية، وهذا ما يعني أن الخارطة الانتخابية لم تكن محط اجماعٍ على نتائجها، وعلى حجم المقاعد البرلمانية التي حصلت عليها الكتل والاحزاب السياسية، مقابل فشل كبير لجماعات تُعد(تقليدية) في امتيازاتها السياسية منذ عام 2003.الرهان على الربح والخسارة ليس رهانا ديمقراطيا واقعيا، لأنه ارتبط اساسا برفض بعض الكتل للنتائج، ومحاولة كتلٍ أخرى نحو زيادة مساحة ارباحها الانتخابية، وهذا ما بات حديث(الكثيرين) في الفضائيات، وفي التصريحات، وفي وسائل التواصل الاجتماعي، وبما يجعل موضوع (الشك الانتخابي) هاجسا للرهان على التغيير، وعدم القبول بجوهر الديمقراطية القائم على اساس التداول السلمي للسلطة..
إنّ ما سيجري- بعد هذا الحدث الخطير- سيكون هو الفيصل في تحديد المستقبل الديمقراطي للبرلمان الجديد، وهو ما سيُعطي ثقة بالاجراءات الديمقراطية، على مستوى اعادة حساب الاصوات بوسيلة(العد والفرز) أو بأيّ وسيلة يتفق عليها الفرقاء، والتي تقترن بموافقة المحكمة الاتحادية على نتائجها، وبخلاف ذلك فإنّ سياسة تبادل الاتهامات والشكوك سيظل متواصلا، وربما سيكون تصعيد العنف السياسي خيارا غير محمود النتائج، وهو ما يُقلل ثقة العالم بالعملية الديمقراطية العراقية، ويُزيد من نسب المقاطعين لأيّ اجراء ديمقراطي آخر، إذ سيكون قرينا بالشكوك، والاتهامات بالتزوير والتضليل، وبالتجاوز على الحق الانتخابي للمواطن الذي يحلم بالحلول الديمقراطية لأزماته السياسية والاقتصادية والخدماتية والأمنية..

من يحمينا من حرائقنا؟
إنّ حادثة إحراق مخازن حفظ صناديق الاقتراع ليست بريئة من الشكّ السياسي، ومن اندفاع الـ(بعض) لتغيير موازين القوى الانتخابية بأية طريقة كانت، وهو مايعني أنّ الافق السياسي سيكون حافلا بمزيد من الأزمات والحرائق، فمن سيحمي المواطن من حرائق السياسة، ومن عنف السياسة، والتي ستكون حتما قاسية، وذات تأثيرات خطيرة على المسارات السياسية والأمنية بشكلٍ خاص، وحتى على مجالات الحوارات(الآمنة) بين الكتل السياسية على مستوى تشكيل الحكومة القادمة، أو على مستوى حفظ السلم الأهلي والسلم الوطني من أية خروقات قد تقوم بها الجماعات الارهابية، وفي ظل تضخّم هذه الأزمات، والصراعات بين السياسيين، فضلا عن مايمكن أن يؤول اليه الأمر من تدخلات خارجية اقليمية أو دولية، والتي ستُزيد حتما من التعقيدات السياسية العراقية في الحاضر والمستقبل..

نقلا عن “الصباح”

مقالات ذات صلة