اراء و أفكـار

الانتخابات العراقية والوعي الشعبي

د. سعدي الابراهيم

هناك مقاييس متعددة لمعرفة مستوى الوعي الشعبي في أي دولة من الدول، لعل من اهمها هو التعرف على الاتجاهات التي سلكها الرأي العام في الانتخابات، على اعتبار ان انتماءات المرشحين الذين فازوا وبرنامجهم الانتخابي، توحي بمدى مقدرة الراي العام على انتقاء الافضل من بينهم ، بما ينسجم والمزاج العام للجمهور.
اذا اردنا ان نطبق هذا الامر على الانتخابات العراقية الاخيرة، لنقيس مدى الوعي الشعبي، فيمكننا ان نسجل الملاحظات الاتية:
• عبور الهويات الفرعية :
بالرغم من حدوث بعض التقدم في ملف الهوية الوطنية، الا ان الانتخابات لم تشهد طفرة كبيرة على صعيد التصويت العابر للمذهبية، وان كانت هناك مؤشرات مهمة في الانبار ونينوى وصلاح الدين، وغيرها ، الا انها لا تصل الى الحد الذي كان البعض يتوقعه، معتمدا على ما تم تحقيقه في الحرب على الارهاب، ومعارك التحرير التي اشترك فيها الجميع .
اما الجانب القومي، فلم يشهد تطورا يذكر، اذ بقيت القوى السياسية تمثل القومية ، وان حدث تغيير في هذا الشأن فهو طفيف .
• عبور الانتماءات الايديولوجية :
نقصد بالأيديولوجيا هنا هو المعتقد السياسي والحزبي، ولعل هذا الجانب قد شهد تغيرا مهما، من خلال التحالف العلماني – الاسلامي، الذي قاده التيار الصدري وحصل من خلاله على نسبة كبيرة في الانتخابات، فعندما يأتلف تيار اسلامي عريض، مثل التيار الصدري مع الحزب الشيوعي وقوى مدنية معروفة على الساحة العراقية، فهذا امر له دلالات ورمزية واضحة، وهو عمل اي شيء في سبيل انجاح التجربة السياسية والانتقال بها نحو الافضل.
• عبور العامل الشخصي للمرشحين:
الاصل في الاختيار اثناء الانتخابات، ان يختار الناخب البرنامج السياسي الذي يناسبه، لكن الذي يحدث في العراق ان الجماهير تختار على اساس شخصية المرشح، ورمزيته، وربما علاقتهم به من حيث الصداقة والقرابة ، اي على اساس العلاقات الاجتماعية . لذلك لم نجد اهتماما كبيرا من قبل المرشحين بموضوعة البرنامج الانتخابي، وفي الوقت عينه فقد خسر الكثير ممن كانوا يطرحون مشاريع مهمة، وفاز الكثير ممن لم يكشفوا عن برامجهم الانتخابية.
هذه المعطيات، تدعونا الى طرح بعض الاليات الكفيلة بالنهوض بالوعي الشعبي، ومن بينها الاتي:
• قادة الرأي العام:
لا يمكن ان تكون الجماهير هي القائدة لأنفسها، لابد ان يظهر في العراق قادة للرأي العام، من النخب المثقفة والمتعلمة، يرسمون لها خارطة الطريق. وبدون ذلك ستبقى الجماهير تسير خلف العواطف التي لا توصل الى نتائج ملموسة.
• التنظيم الجماهيري:
لا يمكن لجمهور مشتت ان يحدث تغييرا كبيرا في اي دولة، لذلك لابد لهذه الجماهير من ان ترتبط مع بعضها بشكل منظم، سواء بتيار سياسي جديد او حزب او حتى روابط جماهيرية وطنية.

نقلا عن “المشرق”

مقالات ذات صلة