تقويض النفوذ الإيراني في سوريا
حسام ميرو
أفصح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، منذ مجيئه إلى سدة الرئاسة في البيت الأبيض، عن رؤية استراتيجية محددة للاستقرار في الشرق الأوسط، وتقوم تلك الرؤية على مسألة أساسية، وهي تحجيم النفوذ الإيراني الذي تمدد سريعاً خلال السنوات التي تلت ما يسمى «الربيع العربي»، وهو النفوذ الذي أفسحت له المجال إدارة سلفه الأسبق باراك أوباما.
ومن المؤكد أن حسابات الإدارة الجديدة نحو الشرق الأوسط، هي نتيجة إعادة قراءة لمصالح الولايات المتحدة عبر العالم، وإعادة الاعتبار لمكانة الشرق الأوسط في الاستراتيجيات الأمريكية.
وعلى الرغم الاتهامات الكثيرة للرئيس دونالد ترامب، فيما يخص ملف الانتخابات الرئاسية، والدور الروسي في وصوله إلى البيت الأبيض، إلا أن علاقات القوة قد تبدّلت فعلياً بين واشنطن وموسكو خلال ولاية أوباما الثانية، فقد كان أوباما يعوّل على دور روسي وازن لاحتواء الصين، وقد منح روسيا الضوء الأخضر لتكون اللاعب الأبرز في الساحة السورية، كما أن استعجال الرئيس أوباما في إبرام الاتفاق النووي التاريخي مع إيران، على حساب الحلفاء التاريخيين في الخليج، أسهم بشكل كبير في الإيحاء لإيران بأن تمددها في الشرق الأوسط مقبول أمريكياً، وبأنها ستكون القوة الأهم في تشكيل منظومة استقراره.
القراءة الأمريكية الاستراتيجية للشرق الأوسط، تبقى حجر الزاوية في تحديد مواقف مختلف اللاعبين، وبسبب التبدّل التاريخي لتلك الاستراتيجية في عهد الرئيس أوباما، قامت إيران بزيادة مساحات الفوضى، مستفيدة من التراخي الدولي في حل الصراع السوري، وعبر براغماتية سياسية، تقوم على الاستفادة من الاندفاع الروسي نحو ملء الفراغ الأمريكي في الشرق الأوسط، وحاجة موسكو لقوات برية تساند وجودها الجوي في سوريا، وفي الوقت ذاته، تقوم بترسيخ وجودها لعقود مقبلة، عبر أدوات مباشرة وغير مباشرة، متكئة على تجربة العراق، في بناء تحالفات مع قوى محلية قريبة منها عقائدياً ومصلحياً.
أما موسكو، فمن جهتها، قامت باستخدام إيران براغماتياً في ملفات سوريا والشرق الأوسط، فقد استفادت من القوات الإيرانية والحليفة لإيران في استعادة مساحات واسعة من الأراضي التي سيطرت عليها الفصائل المسلحة، ونسبت الإنجازات لها في التفاوض مع اللاعبين الإقليميين والدوليين، لكن ضبط اللعب في الملعب السوري، وتحقيق مصالح الجميع، أصبح في خطر، بعد احتدام المواجهة غير المباشرة بين إيران و«إسرائيل»، وخطر تحولها إلى حرب مباشرة، فطهران لديها شكوك كبيرة في النوايا الروسية حول ترتيبات المصالح النهائية في الحل السوري، وتريد ترسيخ مكاسب بعيدة المدى، وامتلاك أوراق ضغط لتحقيقها.
من الناحية الفعلية، هناك مؤشرات على وجود تفاهمات متعددة الأطراف لتقويض الدور الإيراني، شملت الساحتين العراقية والسورية معاً، فنتائج الانتخابات العراقية تشير إلى وجود دفع إقليمي ودولي للحدّ من نفوذ القوى السياسية التابعة لطهران، ودعم قوى تمتلك خطاباً مغايراً للخطاب الطائفي، لتكون ذات وزن في تحديد السياسات العراقية على أساس وطني، وليس خدمة لمصالح طهران.
ومؤخراً، أكّدت موسكو ضرورة انسحاب القوى الأجنبية من سوريا، وعلى الرغم من رفض أكثر من متحدث في الخارجية الروسية تحديد تلك القوى، لكن من الواضح أن المقصود هو القوات الإيرانية والتركية والأمريكية، وما يجعل هذا الأمر مؤكداً، هو تسارع المؤشرات لبناء تفاهم أمريكي روسي على الجنوب السوري، وهو تفاهم كان موجوداً بين واشنطن وموسكو، لكن الجديد في الأمر هو سعي الطرفين إلى صيغة عملية تستبعد كلياً الوجود الإيراني في الجنوب، وإحلال قوات من الشرطة العسكرية الروسية، بما يضمن عدم قيام مواجهة مباشرة بين إيران و«إسرائيل».
من الناحية العملية، تدرك موسكو أن نهاية الصراع السوري تحتاج إلى بدء فوري ومتصاعد لإعادة إعمار سوريا، من أجل ترسيخ مصالح طويلة المدى، لكن عملية إعادة الإعمار لن تحدث من دون تأمين مصالح أكبر عدد من اللاعبين، وتحديداً مصالح دول الخليج وأوروبا، وهو ما يعني فعلياً الاستجابة لمطالب هذه الدول المتعلقة بتقليص حجم النفوذ الإيراني، وهو ما يفسر إلى حد كبير، تصريحات موسكو حول ضرورة خروج القوى الأجنبية من سوريا؛ إذ ليس من الواقعي بمكان أن تسهم الدول الخليجية والأوروبية في ضخ أموال لتجاوز الآثار الكارثية التي أنتجتها الحرب السورية، قبل الاقتناع واقعياً بأن النفوذ الإيراني في سوريا يمضي نحو الانحسار، ليس فقط من أجل تأمين بيئة سياسية اقتصادية خاصّة بسوريا، وإنما أيضاً من أجل تأمين شروط أفضل لإعادة ترتيب الاستقرار في الشرق الأوسط.
نقلا عن “الخليج”