اراء و أفكـار

أجندة حرب العراق 2003: إحياء خط كركوك – حيفا النفطي

وليد خدوري

يكتنف الغموض أهداف الحروب فترة طويلة. ففي حرب 2003 نفت الولايات المتحدة الاهتمام بالنفط العراقي، وركزت على سعيها إلى «تدمير أسلحة الشاملة».
لكن، عاجلاً أم آجلاً، تصدر مذكرات من مسؤولين. وصدرت أخيراً مذكرات غاري فوغلر في كتاب بعنوان «العراق وسياسة النفط» عن «دار نشر جامعة كنساس». وشغل فوغلر منصب كبير المستشارين النفطيين الأميركيين خلال الاحتلال. وهو ضابط متقاعد في الجيش الأميركي ومسؤول سابق في شركة «أكسون موبيل»، تطوع للعمل في العراق وكتب مدونة على موقع دار النشر لجامعة كنساس حول تزويد إسرائيل بالنفط العراقي، الموضوع الذي شكل جزءاً من كتابه.
حاول فوغلر الإجابة على السؤال الآتي: هل هناك أجندة نفطية للحرب على العراق» ويجيب: «لو سألتني هذا السؤال قبل أربع سنوات، كنت سأقول لا، وقد نفيت وجود أجندة نفطية في مقابلات تلفزيونية خلال 2014». وبالفعل، شاركت أنا وبول بريمر في برنامج تلفزيوني حيث ذكرت في حينه أني لم أشهد على أي محاولة جدية لأجندة نفطية خلال عملي في «البنتاغون» وفي العراق. وأؤكد بكل أمانة اليوم أن لا وجود لأجندة كهذه». ويضيف» ما الذي تغير الآن؟ اتفقنا أنا ورئيسي لاحقاً في بغداد في أيار (مايو) 2013 (فيل كارول، موظف سابق في شركة «شل» وضابط متقاعد في الجيش حيث خدمنا سوياً)، اتفقنا على الاستقالة في حال علمنا بأجندة نفطية للحرب إذ استهجنا فكرة مشاركة جنود أميركيين ووفاتهم كي تربح الشركات». وتابع: «كنا نفتش عن مشاركة الولايات المتحدة في أجندة تشمل شركات النفط الأميركية. إذ أن المعارضين للرئيس كانوا يفتشون عن الهدف ذاته. بل ذهبوا إلى أبعد من هذا، فأشاروا في الإعلام إلى أن الأجندة موجودة فعلاً ويتم تنفيذها. لكن نحن الاثنان لم نرها». ويزيد: «كانت أولويتي حتى 2013 التركيز على الخطط للمساعدة في إعادة إحياء القطاع النفطي العراقي. لم تكن لدي الرغبة عندئذ في البحث عن أجندة. فقد كنت في حال نكران لها. رأيت فعلاً أموراً لم أفهمها في 2003، وسجلتها كمحاولات لصرف النظر عن أمور أكثر أهمية. فعلى سبيل المثال لماذا غير وكيل وزير الدفاع بول وولفوفيتس شفهياً قبيل الحرب تعليمات رئيس الجمهورية بخصوص نسف خط أنبوب النفط العراقي عبر سورية. كنا بحثنا الأمر قبيل الحرب، وكان الاتفاق على عدم تدمير أي منشئة نفطية خلال الهجوم. وتشير آخر مذكرة للمجلس الوزاري برئاسة الرئيس في كانون الأول (ديسمبر) 2002، إلى أن الصادرات النفطية عبر الأنبوب العراقي- السوري يجب أن تستعمل كوسيلة ضغط على دمشق للحصول على تعاونها. لم يكن من المفروض تخريب خط الأنابيب… لكن وولفوفيتس خالف هذا القرار شفهياً خلال محادثة عبر الكابل التلفزيوني مع الجنرال فرانك أسبوعاً قبل الهجوم. وفي اليوم التالي لنسف الخط، ذكر الوزير رمسفيلد لصيفة «نيويورك تايمس»، أن سبب تدمير الخط هو عقاب سورية للمساعدة في تهريب النفط أثناء العقوبات على العراق. لا معنى لهذا التفسير. فقد نسفت محطة الضخ الرئيسة في فترة سابقة. لم يكن هناك معنى لهذا القرار في ظل السياسات المتفق عليها. لم يكن هناك معنى لقرار وولفوفيتس بتغيير التعليمات الصادرة عن الرئاسة. إذاً لماذا اتخذ الأخير قراره؟ لم أفهم المعنى إلى أن قمت ببحوث خلال السنوات الماضية عند تأليف هذا الكتاب».
يتابع فوغلر: «علمت كثيراً من خلال المقالات التي اطلعت عليها عن الأجندة والأشخاص أصحاب العلاقة. والأهم إني تعرفت، بعد جهد شاق، إلى الأهداف. وكلما زادت معرفتي، ازداد غضبي، لتطوعي للعمل في العراق. لأن هناك أجندة كنت متطوعاً فيها، على رغم عدم معرفتي بها… الأجندة التي اكتشفتها وعملت لها، كانت لتزويد إسرائيل بالنفط العراقي، والمسؤولون هم المحافظون الجدد في إدارة بوش، وأحمد الجلبي والحكومة الإسرائيلية». أحد الأهداف «هو وقف دفع إسرائيل علاوة على استيراداتها النفطية منذ أواخر التسعينات. وهدفت الأجندة إلى إعادة فتح خط كركوك- حيفا القديم وتوسيع طاقته. بُحث تنفيذ هذه الأجندة في النصف الثاني من 2003. واتخذ الجلبي بدائل أخرى لتنفيذها لاحقاً.
يضيف فوغلر تفسيراً آخر، اعتبره «أكثر صدقية» لتدمير خط الأنابيب ما ذكره وزير الدفاع رامسفيلد إلى صحيفة «نيويورك تايمز» مباشرة بعد تدمير الخط السوري ويقول «كان حلم المحافظين الجدد في الإدارة، حماية إمدادات الطاقة الإسرائيلية. فتشييد خط كركوك- حيفا سيغير ميزان القوى الاقتصادي في المنطقة، إذ تنقطع الإمدادات عن سورية وتجد حلاً في الوقت ذاته لأزمة الطاقة في إسرائيل». ويضيف: من خلال عثوري على هذه الحقيقة وغيرها، أدركت أن الأجندة النفطية كانت حقيقة».
هذا يعني أن الأجندة النفطية لحرب 2003 هي تحقيق هدفين استراتيجيين في آن: وقف صادرات النفط العراقي إلى سورية من خلال تدمير خط كركوك- بانياس، وإعادة تصدير النفط العراقي إلى إسرائيل ومن خلاله إلى أوروبا بإعادة بناء خط كركوك- حيفا.
ويدعم فوغلر حجته بالأدلة التالية: تصريح وزير البنى التحتية الإسرائيلي جوزيف بريتسكزي للصحافة الإسرائيلية في 31 آذار (مارس) 2003، قبيل احتلال بغداد، عن إمكان استفادة إسرائيل اقتصادياً من الحرب. وذكر أن الوزير كان على اتصال مع المحافظين الجدد في البنتاغون الذين كانوا يخططون لإعادة إنشاء خط كركوك- حيفا الذي كان يعمل في 1931- 1948، حيث تم إغلاقه وتفكيكه من قبل الحكومة العراقية في 1948. وذكر بريتسكزي أن إسرائيل كانت تدفع علاوة مالية مقدارها 25 في المئة من سعر برميل النفط المستورد. وان إعادة تشغيل الخط ستلغي العلاوة.
كما أن بنيامين نتانياهو، وزير المال في 2003، سافر إلى لندن لاستقطاب مستثمرين في إعادة تعمير الخط وزيادة طاقته، وفقاً للصحافة الإسرائيلية. وساهم المسؤول في إدارة نائب الرئيس ديك تشيني، سكووتر ليبي، في الاتصال في صيف 2003 مع كل من أحمد الجلبي في بغداد وتاجر النفط مارك ريتش، المتهم بعدم دفع 100 مليون دولار من الضرائب المستحقة عليه حين كان يتعامل مع النفط الإيراني المصدر عبر إسرائيل خلال عهد الشاه، والذي أفرج عنه الرئيس كلينتون.

* كاتب عراقي متخصص بشؤون الطاقة

الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة