هل تقود مفاوضات الكتل لاغلبية برلمانية وطنية متماسكة؟
رغم الاختلافات حول نتائج الانتخابات التي لابد ان تحسم بشكل او اخر، لكن المفاوضات تجري بين الكتل السياسية لتشكيل الكتلة البرلمانية الاكبر كخطوة اساسية لتشكيل الحكومة والرئاسات الجديدة. فنحن امام طريقين أ) اللجوء الى نفس الطرق السابقة، اي تشكيل حكومة محاصصة يشترك فيها جميع الفائزين لنكرر تجربة الحكومات السابقة.. ب) حكومة اغلبية سياسية وطنية تجتمع حول اهداف محددة لتشكيل حكومة ناجحة تستطيع تعزيز الامن ووحدة واستقلالية البلاد ومحاربة البطالة، والتقدم في الملفات الخدمية والاقتصادية، خصوصاً في الحد من احتكار الدولة وهيمنة الاقتصاد النفطي. والامر الثاني امامه صعوبات جمة رغم مطالبة الكثير من القوى به.. أ) فهو يتطلب اتفاق على الخطوات الجدية لتطبيق منهاج عملي تلتزم به هذه الاغلبية لفترة كافية من الوقت بما يسمح بانجازات ملموسة تتحقق على ارض الواقع. ب) ان تكون الكتل البرلمانية المشكلة للاغلبية واعية لاهمية تماسكها ووحدتها وتوفير الاجواء في مجلس النواب للتشريعات اللازمة، ولدعم الحكومة وتهيئة الرأي العام لهذه المشاريع.. ج) ضرورة تشجيع قيام اقلية معارضة سياسية وطنية ايضاً تحظى بالدعم والاحترام والحماية والتسهيلات، لتمارس دورها ولتحقيق التوازن والاستمرارية المطلوبتين. كتبت افتتاحية بعنوان “ضرورة كتلة الاغلبية السياسية البرلمانية”، في 17/2/2016، وكنت يومها وزيراً للنفط، رغم تقديم استقالتي في 9/8/2015، التي لم تقبل الا لاحقاً.. فبعض التعليقات التي ترد على افتتاحياتنا تتساءل لماذا لم تطبقوا ذلك عندما كنتم من المسؤولية.. والحقيقة ان معظم -ان لم يكن كل- ما اكتبه بعد تركي المسؤولية، سبق طرحه سابقاً والعمل الجاد لتحقيقه رغم كل الصعوبات.. وهو سبب الاستقالات، بعد تقديرنا ان البقاء بات اكثر ضرراً من الاستمرار.. وسيؤكد الامر كل من تابع المواقف طوال السنوات الطويلة الماضية.
[“كانت احدى اهم الملابسات في تشكيل الحكومات السابقة والحالية، الخلط بين مشاركة المكونات ومشاركة الاحزاب. ففي الوقت الذي بدت فيه مشاركة المكونات امراً ضرورياً لوحدة البلاد -خصوصاً عند تأكيد كل المكونات لرغبتها في المساهمة الجادة، وعدم الذهاب الى سياسات تفرد وتسلط او افتراق ومشاريع خاصة- بدت فيه مشاركة جميع الاحزاب والكتل، في هذه الظروف، امراً معرقلاً لحسن اداء عمل الحكومة. مما قاد الى نتائج سلبية عديدة.. منها اختلاط المفاهيم والمناهج سواء داخل البرلمان نفسه او بينه وبين الحكومة، او حتى داخل الحكومة.. ومنها تضخيم مجلس الوزراء عددياً ومنهجياً بشكل معرقل، وتحوله الى مجلس ترضيات وليس الى مجلس سياسات وخدمات واعمال. وهو ما حاول السيد رئيس المجلس حالياً الى تقليصه.. بل هو ما قاد وبمرور الوقت الى اختلاط اوراق الجميع. فلم يرَ الجمهور في مجلس الوزراء (ومجلس النواب ايضاً) غير نوع من التوافقات والمحاصصات، يقابلها فوضى من الصراعات، فصار يتعامل معها ككل واحد لا يميز فيها بين طرف واخر.
من هنا تأتي اهمية كتلة الاغلبية السياسية البرلمانية.. فهدفها ليس تكريس سلطة احد او منازعة سلطة قائمة.. بل هدفها الثبات والواقعية في عمل البرلمان والحكومة. فخلافاً لما جرى حيث يتسابق الجميع للمشاركة، وحيث تمنح الوعود بدون حساب، لتضمن الحكومة اعلى الاصوات لنفسها، ولو على حساب الجدية وقدرة الايفاء في التطبيق لاحقاً، فان المطلوب اليوم اغلبية سياسية تضمن المقبولية الوطنية الواسعة، والمتفقة على منهاج الحد الادنى الضروري الذي لا يمكن للبلاد التقدم بدونه. اغلبية تتفق تماماً حول عدد مركز ومحدد من البرامج والخطوات المحورية والاساسية، ولا تتعداها الى كل الامور والجوانب التي قد تبقى مورد خلاف، لكنها لا تعطل عمل الحكومة وسياساتها الاساسية. اغلبية احدى علامات جديتها حماية اقلية سياسية معارضة.. فتشعر الحكومة ان لديها سنداً قوياً واكيداً من اغلبية ثابتة وواضحة في البرلمان، وتشعر المعارضة ان لديها مساحات عمل لا تجعل اشتراكها في الحكومة قضية حياة او موت. بدون ذلك ستفقد الحكومة ولي امرها، ومصدر قوتها وتأييدها، وستفتح الباب اما لفراغ سياسي واسع، او لفوضى عارمة واتجاهات خطيرة.
عادل عبد المهدي