رئاسة الوزراء.. إنهاء الفتنة
رئيس الوزراء منصب مهم، ورغم كل الجهود والنوايا الطيبة، حولناه لفتنة وصراعات ضارة وسلطة مطلقة باتجاهين خاطئين: سلطة شبه مطلقة في الامور اليومية، كالتعينات والقرارات التنفيذية للادارات.. ومعطلة في السياسات الجوهرية الضرورية لتقدم البلاد، بسبب التعارضات داخل السلطة التنفيذية ومع السلطة التشريعية.. كتبت قبل الانتخابات في 16/4/2018 افتتاحية بعنوان “لا قرارات لرئيس مجلس الوزراء، الا استثناءاً”، اعيد نشرها للمناسبة.
[“نظامنا دستورياً برلماني، لكنه تطبيقياً نظام رأسي (ولم اقل رئاسي). ولكشف المقاصد، وزع قانون “ادارة الدولة” السلطة التنفيذية بين “مجلس الرئاسة ومجلس الوزراء ورئيسه” (المادة 35).. اما الدستور فحصرها بـ: “رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء..” (المادة 66).
خصص الفصل الثاني الخاص بالسلطة التنفيذية الفرع الاول لرئيس الجمهورية والثاني لمجلس الوزراء.. ولم يخصص فرعاً لرئيس الوزراء. فمجلس الوزراء دستورياً من حيث الصلاحيات هو مرجعية رئيس الوزراء، رغم المواد الحصرية لرئيس الوزراء، كحالة الطوارىء، وطلب حل البرلمان، واختيار الوزراء وسحب الثقة منهم، فان استقال استقالت الحكومة، والعكس ليس صحيحاً بالضرورة.
وقع الانحراف بالتطبيق المتفرد للمادة (78): “رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة، والقائد العام للقوات المسلحة…”، وجُمدت مواد كالمادة (80) التي تشكل البناء الاساس لصلاحيات السلطة التنفيذية، ومن نصوصها: “يمارس مجلس الوزراء الصلاحيات الاتية: “تخطيط وتنفيذ السياسة العامة للدولة”.. “اقتراح مشروعات القوانين”.. “التوصية الى مجلس النواب بالموافقة على تعيين رئيس اركان الجيش ومعاونيه ومن هم بمنصب قائد فرقة فما فوق ورئيس جهاز المخابرات الوطني، ورؤساء الاجهزة الامنية”.. او المادة (84) التي جعلت ارتباط جهاز المخابرات الوطني بمجلس الوزراء ويخضع لرقابة مجلس النواب. هذه الامور وغيرها صارت تدار حصراً من رئيس الوزراء.. فشُخصن الموقع واستُلت له صلاحيات واسعة لا يملكها دستورياً، او يملكها بشروط وسياقات.. فذهبنا الى “الواوات”، والادارة بالوكالة، والاوامر بدل القوانين والسياقات. لذلك كظاهرة وبعيداً عن الاشخاص والاسماء، عطلنا الاركان الدستورية الحقيقية للسلطتين التشريعية والتنفيذية، وبنينا عملياً نظام الرأس الواحد، الذي به ترتبط كل المنجزات، او عليه تسقط كل اللعنات. فصار رئيس الوزراء اقوى من مجلس النواب والدولة والكتلة التي نصبته.
1- تحول الصراع على رئاسة الوزراء لصراع ضار بين قوى “رئيس الوزراء” من جهة وبينها ومع الاخرين من جهة اخرى. مما قاد: أ) لتصادم مع البرلمان، ورئاسة الجمهورية، والحكومات المحلية، بدل تفعيل مجمل المنظومة بتوازناتها المختلفة.. ب) ولتشجيع المحاصصة ومنع قيام اغلبية سياسية وطنية حاكمة واقلية برلمانية معارضة.. ج) وتشجيع التخندقات الاثنية والطائفية التي بقيت تنتظر او تناور لاختيار رئيس الوزراء لفرض مطاليبها وشروطها بصفقات خاصة.. د) ولأظهار وكأن القوى التي ينتمي اليها مذهبياً، هي من تتحمل وحدها وزر السلطة واخطائها وازماتها.
2- وفق المادتين الدستوريتين 85 و86، المتعلقتين بقوانين الوزارات والنظم الداخلية التي يجب ان تكون هي الحاكمة، تحولت الامور الى كثير من الفردنة والاجتهادات الشخصية، وقليل من القانون والمؤسساتية. وتحولت “الامانة العامة” لجهاز ضخم بالاعداد والموازنات والصلاحيات، ليلعب غالباً دور الوزارات، ويتجاوز قوانينها. وبدل ان يخضع المسؤول للقانون، اصبح هو القانون بموجب اوامر ديوانية او وزارية غالباً ما تناقضت مع الدستور والقوانين النافذة.. فحصلت فوضى ندفع ثمنها، ومحاسبات واستجوابات تستند للاجتهادات الشخصية والمواقف الحزبية والطائفية والاثنية، وما تتناقله مواقع التواصل والقنوات الكيدية، بدون مرجعية وقانونية نستند اليها لنميز بين القانوني واللاقانوني.
ستجري الانتخابات قريباً. ويتكرر المشهد ويكثر الحديث عن رئيس الوزراء وليس الحكومة القادمة، ونحن نواجه ثغرة اساسية. فسيصوت الناخبون وهم لا يعلمون كيف ستسوق (لم اقل ستسرق!!) اصواتهم. فالاليات الحقيقية لتشكيل الحكومة ومنهاجها وخطها ستبدأ بعد الانتخابات وليس بالانتخابات. فاي من الاحزاب لن يحصل على اكثر من 10% من المقاعد، وستبدأ –عندها وعندها فقط- الصراعات او الصفقات داخل التحالفات وبينها.. وهذا خلاف جميع الدول الرئاسية او البرلمانية، حيث يذهب الناخبون للانتخابات، الذين عندما يشخصون الاغلبية او شبه الاغلبية التي ستفوز، فانهم يشخصون اسم او اسماء السلطة التنفيذية القادمة.”
عادل عبد المهدي