اراء و أفكـار

ماذا في مرآة بومبيو غير أضغاث الأحلام؟

بعد جولة أوروبية في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا للتداول حول القرار الأمريكي بالانسحاب من الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه مع إيران عام 2015، كشف وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو تفاصيل ما سُمي بـ»خارطة طريق دبلوماسية» تتضمن الاستراتيجية الأمريكية لمرحلة ما بعد سحب المشاركة الأمريكية في الاتفاق. ولقد اختار أن يفصح عن هذه التفاصيل في خطاب مكتوب ألقاه من منبر «مؤسسة التراث» الأمريكية، التي تعد واحدة من أعتى قلاع المحافظين في الولايات المتحدة، وتلك كانت إشارة أولى على طبيعة ما تعتزمه واشنطن خلال الأسابيع والأشهر المقبلة.
وأعلن بومبيو عن ثلاثة مستويات للتعامل مع إيران، يبدأ أولها من ممارسة ضغط مالي غير مسبوق عن طريق فرض «العقوبات الأقسى في التاريخ» كما قال، ويعتمد المستوى الثاني على التعاون مع حلفاء أمريكا لردع القوة النووية ومنع طهران من التصرف وكأنها تملك «كارت بلانش» في المنطقة، وأما المستوى الثالث فيقوم على الدفاع عن الشعب الإيراني ومساندة التظاهرات ضد البطالة وسوء الإدارة وفرض الحجاب.
وكان لافتاً أن يعدد بومبيو سلسلة اشتراطات على إيران لا يمكن أن تُفهم إلا في إطار التعجيز، مثل التوقف عن دعم حزب الله اللبناني، والامتناع عن التدخل في شؤون العراق واليمن وتهديد إسرائيل والسعودية والإمارات، وسحب القوات الإيرانية من سوريا، فضلاً عن وقف عمليات التخصيب نهائياً، وإلغاء برامج تطوير الصواريخ البالستية. وهذه ليست أقل من استقالة ذاتية طوعية من أي دور إيراني إقليمي.
ولقد تجاهل بومبيو حقيقة كبرى مفادها أن غزو العراق سنة 2003 ومجمل السياسات الخرقاء التي انتهجها رئيس أمريكي سابق هو جورج بوش الابن، كانت وراء ما تمتلكه طهران اليوم من نفوذ في المنطقة عموماً، وليس في العراق وسوريا ولبنان واليمن فقط. كذلك تناسى بومبيو أن أضغاث أحلام المحافظين الجدد، الذين ألقى بومبيو خطابه من منبرهم، كانت أفضل ذرائع السلطات الإيرانية في التمدد داخل المنطقة، وفي استثمار غضب شعوبها إزاء سياسات واشنطن.
ولقد طالب إيران بأن تنظر إلى نفسها في المرآة، ونسي أن يتوجه بالنصيحة ذاتها إلى الولايات المتحدة التي شذت عن حليفاتها الأوروبيات في الانسحاب من الاتفاق، ووضعت حكومات برلين وباريس ولندن في حرج أقصى تجاه استثمارات بالمليارات كانت الشركات الأوروبية قد أبرمتها مع إيران، وتهدد العقوبات الأمريكية المستعادة بإلغائها وتحميل اقتصاد أوروبا أعباء إضافية سوف تنعكس سلباً على مؤشرات العمل والبطالة. هذا دون احتساب ما يُنتظر أن يعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من فرض تعريفات جمركية جديدة على واردات الحديد الصلب والألمنيوم من الاتحاد الأوروبي.
وإذا كان من غير المستبعد أن تسير بعض الشركات الأوروبية في ركاب واشنطن هرباً من وطأة الغرامات التي ستفرضها الخزانة الأمريكية على تعاملاتها مع إيران، كما فعلت «توتال» الفرنسية مؤخراً، فإن هذا التوجه لا يلوح أنه سينقلب إلى سمة عامة بالضرورة، خاصة في ضوء إصرار وزراء الاقتصاد والمال الأوروبيين على صيانة مصالح بلدانهم في وجه العربدة الأمريكية.
وخير للوزير بومبيو أن ينظر جيداً في المرآة، لعله يبصر الحقائق وراء أضغاث الأحلام.”القدس العربي”

مقالات ذات صلة