اراء و أفكـار

المقامرة بـ”الروليت الروسي”، الطلقة القاتلة في الملف “النووي”

نشرت “CNN” قبل ساعات من خطاب الرئيس “ترامب” استفتاءاً يؤكد ان ثلثي الشعب الامريكي (63%) يخالف الرئيس في الغاء “الاتفاق النووي الايراني”. كما عارضت الدول الموقعة على الاتفاق والامم المتحدة ومنظمة الطاقة الدولية، ولم يتفق مع “ترامب” سوى قلة قليلة وفي مقدمتها “اسرائيل”.
1- يبدو من الحيثيات ان هدف “ترامب” فرض اتفاق جديد يغير توازنات الاتفاق السابق بالضد مما يراه بقية الموقعين، خصوصاً ايران.. فالهدف هو الضغط، لذلك اعلنت وزارة المالية الامريكية فرصة 6 أشهر للشركات الامريكية وغيرها من دول وشركات لايقاف التعامل مع ايران، والا ستتعرض للعقوبات، بل يأمل البعض بالضغط لاجراء تغيير للنظام الايراني. فـ”ترامب” يأمل ان يضغط الاوربيون على الايرانيين للخضوع للشروط الامريكية والاسرائيلية، اضافة لوضع صعوبات اضافية على ايران عبر العقوبات لتعقيد اوضاعها الداخلية والاقليمية والدولية، سياسياً واقتصادياً وأمنياً واعلامياً.
2- بالمقابل، يبدو ان ايران استعدت لهذا القرار، واعتمدت “الايرو” بدل الدولار.. وطورت احتياطاتها من “اليوان” الصيني، بعد افتتاح بورصة شنغهاي للمعاملات النفطية.. لهذا يلاحظ في رد الفعل الايراني على لسان الرئيس روحاني انه اوعز لوكالة الطاقة الذرية الايرانية لاسئناف انشطتها النووية، وان ايران ايضاً ستنتظر اسابيع للتشاور مع حلفائها ومع الاوروبيين لتقيم سلوكهم. فان سار الاخرون لتعزيز الضغوطات الامريكية فانها ستمضي ببرنامج التخصيب، مما سيضغط بدوره على الامريكيين والاوروبيين، وتفرض المسار الذي كانت عليه قبل اتفاق 2015.. وعلى العكس ان استمر الانفتاح الاقتصادي العالمي على ايران، فانها ستستطيع العيش مع هذا الوضع، وسيبدو الرئيس “ترامب” معزولاً. فوضع ايران اليوم –على صعوبته- افضل من وضعها عندما كان هناك قراراً اممياً بالمقاطعة والعقوبات، وبيدها اليوم اوراق اقليمية ودولية عديدة، لم تكن لديها سابقاً.
3- يمكن شيطنة كل دولة لخصومها.. لكن عندما تصل التدافعات المسلحة او السلمية لارساء شروط جديدة، كما حصل في اتفاق 2015 النووي، فان اللغة والاولويات والعلاقات والرؤى تتغير جذرياً. فلن تسيطر اية ايديولوجية او نظام لا اقليمياً ولا دولياً.. وسيبقى العالم متنوعاً ومختلفاً.. وان هذا التنوع يجب ان يكون عامل ازدهار وتعايش لا عامل حروب وخصومات.. لهذا حرصنا ان تكون لنا علاقات طيبة مع كل من ايران والولايات المتحدة.. ليس لاننا صدى لسياسة اي منهما، بل لاننا نقدر مصالحنا الوطنية والاقليمة والدولية على التوالي.. ونعمل على تجاوز الظروف الاستثنائية والمعقدة والمتداخلة. ولقد ايدنا “الاتفاق النووي” كما ايدته الامم المتحدة ودول العالم، والولايات المتحدة، ولا نرى سبباً لنقضه. وآمنا دائماً ان الحوار، وليس الحرب والعقوبات، هي طريقنا لحل مشاكلنا. فنحن كعراقيين عانينا من الحصار والعقوبات والحروب.. وتعلمنا ان “الانتصارات” القائمة على غلبة مؤقتة غالباً ما تتحول الى هزائم عندما تأكل الكلف البشرية والاخلاقية والمادية عوامل الغلبة. ففي استبيان في 16 دولة عربية لمؤسسة ASDA’A Burson-Marsteller Arabe youth Survey الامريكية، اجاب الشباب (18-24) على سؤال هل تعتبر الولايات المتحدة حليفاً او عدواً لبلدك، فاجاب 63% كحليفة، و32% كعدوة عام 2016.. لتنقلب الاية في 2018 الى 57% كمعادية و35% كحليفة.
4- ليس للحرب الواسعة منطقها الحتمي، رغم جعجعة السلاح ومخاطر الانزلاق فيها. لكن الجميع يحسب حساباته لكي لا يُجر لحرب يتورط فيها. وان الكلام عن مطامح ايران لا يخفي حقيقة ان التناقضات والفراغ عندما يتولدان ويشجعان الصراع ومنطق الحرب، كما في القضية الفلسطينية، ومحاربة الارهاب، والحرب اللبنانية، والحرب العراقية/الايرانية، واجتياح الكويت، والحروب العراقية، والحرب في سوريا واليمن، والازمة البحرينية والخلافات الخليجية مع قطر، فان بلداً اقليمياً كبيراً وقوياً كـ”إيران” سيكون من المستفيدين الاوئل مع كل صراع او حرب جديدة.. وسيتراجع الاخرون، وتتفكك قواهم كما حصل في الامثلة اعلاه كافة. لذلك فان قرار “ترامب” يشبه “الروليت الروسي”، فيضع المقامر على حفنة من المال، رصاصة واحدة في “مسدس بكرة” تتسع لـ6 رصاصات، ويدور المقامرون “البكرة” لاخفاء مكان الرصاصة.. ويطلق المقامر المسدس على صدغه مغامراً بحياته، وفرصته 1 على 6.

عادل عبد المهدي

مقالات ذات صلة