بشار الأسد يعود بقوة إلى البرلمان اللبناني
حازم الأمين
استفاق كثيرون في لبنان صباح اليوم على مشهد قاتم. نتائج الانتخابات اللبنانية أطاحت الكثير من الأوهام. حزب الله أقوى من نفسه، وانتزع شرعية تمثيلية غير مسبوقة لأدواره في الحروب الإقليمية. النظام السوري الذي كان خرج من لبنان في العام 2005 ها هو يعود إليه من تحت قبة البرلمان، وهذه المرة ليس عبر حلفائه من الأحزاب الشيعية، إنما أيضاً عبر نواب من السنة والمسيحيين ممن يتقدم ارتباطهم به ارتباطهم بحزب الله.
النتائج حملت مؤشرات واضحة على أحوال الجماعات اللبنانية، وما أصابها في السنوات التسع الأخيرة، أي موعد آخر انتخابات لبنانية. ولعل أبرز ما يمكن أن يُظهر هذه الحقيقة، مشهد مناصري حزب الله في بيروت وهم يعلقون علم الحزب على تمثال رفيق الحريري في منطقة عين المريسة. فما أصاب الجماعة السنية اللبنانية خلال السنوات الفائتة لا يمكن تتويجه إلا بهذا المشهد. والفعلة هذه المرة (أي رفع علم الحزب على تمثال الحريري)، وان شكلت انتهاكاً لوجدان الجماعة السنية، إلا أنها جاءت مسبوقة بنصر انتخابي، ويصح بهذا المعنى قول نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم عندما رد على الوزير نهاد المشنوق الذي ناشد أهل بيروت الاقتراع لـ”المستقبل” ضد حزب الله، منعاً لتغيير هوية بيروت، فقال: “علينا أن ننتظر قرار أهل بيروت حول هويتهم”. وبيروت التي لم تلغ الحريري في هذه الانتخابات قررت أن له شركاء فيها من بينهم حزب الله والأحباش القريبون من النظام السوري وفؤاد المخزومي القادم من خارج النادي الحريري.
علم حزب الله على تمثال الحريري لم يعد خطأ مطلقاً بعد اليوم. الصفعات التي تعرض لها زعيم تيار المستقبل في السنوات الأخيرة بدأت تأتي بنتائجها. لا بل أن الرجل صمد أكثر مما يُتوقع. فالهزائم تحاصر الجماعات السنية من المحيط إلى الخليج، وهزيمتهم في لبنان لم تكن ساحقة بقدر ما كانت ساحقة في سورية وفي العراق.
وفي الحساب الطائفي، صار بيد حزب الله وحلفائه في النظام السوري عشرة نواب من الطائفة السنية من أصل 27 نائباً. وهذا هو الاختراق الحقيقي، وهو اختراق يحاكي مساعٍ إقليمية حثيثة بدأت تلوح لانتزاع التمثيل السني في المنطقة من القوى التي ناهضت المحور الإيراني. ذاك أن النظام في سورية يسعى بدوره للالتقاط أنفاس سنية، وفي العراق تسعى طهران لتأسيس طبقة سياسية سنية خارج المنظومة الإقليمية لهذه الجماعة. ونجاحات هذه المساعي متفاوتة على ما يبدو، إلا أن نتائج الانتخابات اللبنانية تشكل مؤشراً على هذا الصعيد، ويوم الأحد المقبل سيكون محطة اختبار ثانية لها عبر الانتخابات العراقية.
ووضع نتائج الانتخابات اللبنانية في سياق النزاع الاقليمي سيكشف لنا أن طهران تقدمت، وتقدم الأخيرة سيعني حكماً تصدعاً في الموقع السعودي والخليجي المناهض لطهران. فلا يكفي القول أن علاقة الحريري مع الرياض ليست في أحسن أحوالها للاستنتاج بأن السعودية غير معنية بتقهقر “المستقبل”، ذاك أن تقهقره جاء على حساب موقعها، وهو يعني تقدم خصومها من الشيعة، ومن السنة هذه المرة.
لكن نتائج الانتخابات اللبنانية حملت أيضاً أجوبة على أسئلة إقليمية أخرى. فلطاما تساءل كثيرون في السنوات الأخيرة عن مدى تحمل بيئة حزب الله لأكلاف الحروب التي يخوضها الحزب وخصوصاً في سوريا. وانتظر كثيرون بدء ظواهر التذمر والضيق جراء تدفق الجنازات من سوريا. الجواب كان واضحاً هذه المرة، وهو أن بيئة الحزب هي اليوم أكثر التصاقاً بخياراته من أي مرحلة أخرى. فهو مع حلفائه في حركة أمل فاز بـ26 مقعداً شيعياً من أصل 27، علماً أن خسارته المقعد الشيعي في جبيل كان سببه خطأ في الاختيار كان يمكن تفاديه.
أكلاف الحرب في سورية على حزب الله ليست كبيرة في حسابات النزاعات الأهلية. ثلاثة آلاف قتيل على مدى 6 سنوات ليسوا حساباً وازناً في ميزان الأرباح والخسائر الأهلية الناجمة عن تلك الحرب. وما حققه الحزب لجماعته الأهلية، كبير في حسابات النزاعات الأهلية أيضاً. واليوم لا قوة مذهبية في لبنان بقدر مذهبية الجماعة الشيعية، وهو أمر وإن كان يطرح تساؤلات عن مستقبل تضخمها وشموليتها في بلد متعددً، إلا أنه منسجم مع صعود إقليمي لهذه الجماعة، وهو سيستمر متصاعداً طالما أن الحروب هي الأفق الوحيد الذي يلوح في المنطقة.