الفساد والإرهاب
الإرهاب والفساد وجهان لعملة واحدة. الأول يقتل ويدمر الدول والشعوب بعنف وقسوة وضجيج، ويترك أثره بركاً من الدم والخراب كي تظل شاهداً على وحشيته وهمجيته، والثاني يقتل ويدمر أيضاً ولكن بنعومة وسلاسة وبقفازات من حرير، لكن أثره يكون كارثياً أيضاً في خراب دول وإفقار شعوب من خلال نهب المال العام ما يؤدي إلى تقويض الخدمات وفرص العمل، وفشل خطط التنمية، وانعدام الثقة بالدولة والمؤسسات، وبالتالي يضعف مناعة الوطن ويسلبه عافيته ومقدراته.
الفساد آفة عالمية تضرب معظم دول العالم باستثناء بعضها، وهي بعدد أصابع اليد، لذلك تكرر المؤسسات الدولية التحذير من مخاطر الفساد، ما يؤدي إلى انعدام الثقة بالدول، وهو ما أشارت إليه كريستين لاجارد رئيسة صندوق النقد الدولي بقولها «إن الفساد يتغذى أساساً من عدم الثقة»، و«لا يمكن حل مشكلة الفساد إلا من خلال إيجاد مؤسسات تعمل بشفافية وتحاسب جدياً».
لا شك أن الفساد يترك آثاره المدمرة على التماسك الاجتماعي ويحول دون التركيز على القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة والبنى التحتية والضمان الاجتماعي، ويؤدي إلى انعدام ثقة المواطن بالدولة والمؤسسات العامة، ما يخلق حالة من الاضطراب الاجتماعي، أو إلى مخاطر الفوضى العامة.
تؤكد مؤشرات مدركات الفساد التي صدرت مؤخراً عن «منظمة الشفافية الدولية»، «أن التقدم الذي حققته عدة دول في مجال محاربة الفساد خلال السنوات الست الماضية كان خجولاً، إن لم يكن معدوماً».
ويصنف المؤشر 180 بلداً وإقليماً وفقاً لمدركات انتشار الفساد، حسب مقياس يتراوح بين صفر و100 نقطة، حيث تمثل النقطة الصفر الدول الأكثر فساداً، في حين تمثل النقطة 100 الدول الأكثر نزاهة، وقد توصل المؤشر هذه السنة إلى أن أكثر من ثلثي الدول حصلت على درجة تقل عن 50 نقطة، وهذا يعني أن ثلثي دول العالم مبتلاة بالفساد. وقد تصدرت نيوزيلندا مؤشر هذا العام ب 89 نقطة، تلتها الدنمارك ب 88 نقطة، في حين جاءت سوريا في الترتيب 14 وجنوب السودان في الترتيب 12، واحتلت الصومال ذيل الترتيب ب 9 نقاط. ومن الملاحظ أن هذه الدول التي حلت في ذيل القائمة مبتلاة بالإرهاب، وجاءها الفساد ليزيدها بلاءً على بلاء.
الفساد هو شكل من أشكال الإرهاب المالي والاقتصادي، لأنه ينهب المال العام الذي هو حق للناس في المأكل والملبس والعيش بكرامة بما يتوفر من خدمات ومشاريع تؤمن الحياة الكريمة وتحول دون العوز والبطالة والجوع. وهو تماماً مثل الإرهاب الذي يسلب حق الإنسان في الحياة من دون وازع ضمير أو أخلاق.
نقلا عن “الخليج”