لماذا «داعش» شرقي الفرات؟
بعد هزيمة تنظيم «داعش» الإرهابي في كل من العراق وسوريا، وطرده من معاقله في الموصل والأنبار ودير الزور وتدمر والبوكمال والميادين، وغيرها من مدن وبوادي البلدين، وتقويض «دويلته» المزعومة، واختفاء «خليفته» الأرعن المدعو أبوبكر البغدادي، ساد الاعتقاد أنه تم قطع دابر هذا التنظيم إلى الأبد، وأن ما تبقى من فلوله إما هرب، وإما تم تهريبه إلى مواقع أخرى في إفريقيا وأفغانستان، وغيرهما، وإما اختفى بعيداً عن الأعين خشية مطاردته، وإما استسلم إلى قدره وقرر التوبة.
لكن واقع الحال يقول غير ذلك، فهذا التنظيم لا يزال يتحرك بقدرة قادر، وخلاياه تعمل، وتقتل، وتخرب، وتدمر، وتخطف في العديد من المدن العراقية، رغم أن خطره تضاءل، وفعله انكمش، وهذا أمر طبيعي بالنسبة إلى تنظيم تم ضرب عصبه، وتدمير بنيته العسكرية والإدارية، وكسر عموده الفقري.
هذا ما يتبدى لنا علناً، وما نتابعه يومياً من نشاطات هذا التنظيم الإرهابي. لكن ما لا يتم الحديث عنه، وإبقاؤه طيّ الكتمان هو أخطر وأدهى، ويستدعي التوقف عنده، وطرح ألف سؤال وسؤال حوله.
بعد تحرير المدن العراقية والسورية من وطأة هذا التنظيم، انسحبت فلوله باتجاه شرقي الفرات داخل الأراضي السورية، وعلى طول الحدود العراقية- السورية شمالي محافظة دير الزور. هو يسيطر الآن على مساحة تقدر بعشرة آلاف كيلومتر مربع، أي ما يعادل مساحة لبنان، وهي مساحة ليست قليلة بالمقاييس الجغرافية والعسكرية، وتقع في مرمى القوات العراقية من الشرق ، ومرمى قوات النظام السوري، وحلفائه من الجنوب، ومرمى قوات «سوريا الديمقراطية» المدعومة أمريكياً من الشرق، وعلى مرمى حجر منها يوجد نحو عشرين قاعدة أمريكية في الحسكة والقامشلي ودير الزور. أي أن قوات التنظيم الإرهابي محاصرة تماماً منذ أشهر عدة، لكن لا أحد يقترب منها، أو يطاردها ويستكمل تحرير المنطقة من وجودها.
أليس في ذلك سر مبهم، لا يعرفه إلا أصحاب الاستراتيجيات الخبيثة؟ ممنوع على القوات العراقية أن تتجاوز الحدود السورية لملاحقة الإرهابيين، وعندما قام الطيران العراقي، قبل أيام، بالإغارة على مواقع لهذا التنظيم في المنطقة كان بإذن من الولايات المتحدة. وممنوع على قوات النظام السوري أن تتحرك شمالي دير الزور باتجاه مواقع «داعش»، وقد سبق لهذه القوات أن تعرضت لقصف جوي أمريكي أكثر من مرة عندما تم رصدها تتحرك شمالاً، ووقع في صفوفها قتلى وجرحى.
السؤال، لماذا الإبقاء على هذا الجيب الإرهابي؟ هل من أجل استخدامه لاحقاً عند الضرورة لتخريب كل ما تم إنجازه؟ هل هو قوة احتياط لاستكمال مخطط التخريب الذي لم تنته فصوله بعد، وصولاً إلى التقسيم؟ وهو ما تحذر منه أكثر من جهة، خصوصاً أن بإمكان هذا التنظيم الإرهابي أن يستخدم منطقة تواجده الحالية منصة للتوسع مجدداً طالما هو يحتفظ بقوته هناك، مع إمكانية مساعدته عند الضرورة، وطالما منابع التمويل لم تجف بعد، حيث قطر لا تزال تفتح خزائنها لكل أشكال التنظيمات الإرهابية.
نقلا عن “الخليج”