لن نقطع الأمل
رغم هذا السواد الذي يلفُّ المنطقة العربية والعواصف المدمرة التي تضرب الأمة، وهذا الانهيار الذي يزلزل أركان الوجود العربي ويكاد يقضي على الحاضر والمستقبل، بحيث يبدو أن الأمر انتهى والسقوط بات حتمياً ولا رجاء بالنهوض من جديد، إلا أن طبيعة التحدي الذي تواجهه الأمة العربية تحتم أن تكون هناك استجابة قومية للرد واسترداد كل ما لديها من ممكنات وأدوات وقدرات.
لقد فعلت ذلك في السابق أكثر من مرة واستعادت روحها وواجهت وانتصرت في كل المواجهات مع الاستعمار والاحتلالات والأحلاف، رغم أن الثمن الذي دفعته لم يكن قليلاً ولا هيناً، وكان في الغالب دماً وشهداء سقطوا على مذابح الحرية في أكثر من قطر عربي.
كانت الأمة تكبو لكنها سريعاً ما تقف على أقدامها لمواجهة التحدي، ومن يرى الآن أن الأمة سقطت ولن تقوم لها قائمة فهو لم يقرأ التاريخ. فكم تعرضنا لغزوات وحروب واحتلالات دامت أحياناً عقوداً أو قروناً، لكننا في كل مرة كنا مثل طائر الفينيق نخرج من الرماد. وكم سقطت دولنا في قبضة أنظمة جائرة أو مسلوبة القرار ولكن الشعوب كانت تعيد تصحيح المسيرة.
صحيح أن الوضع العربي الآن في أسوأ حالاته، لكن هذا لا يعني الاستسلام لقدر يكتبه غيرنا، ولا يعني الخضوع لمؤامرات متعددة الأوجه والأقنعة، ومنها هذا الإرهاب الذي تم تصنيعه في معامل أرباب الفوضى الخلَّاقة، ولا لهذا الشلل الذي ضرب الجهاز العصبي للأمة فبدت كمن يستجير من الرمضاء بالنار، وفقدت القدرة على التمييز بين الخطأ والصواب، وبين الحق والباطل حتى صارت مضرب عصا لكل من هب ودب.
هذه ليست حقيقة الأمة العربية. هي غير ذلك تماماً. هي قادرة على الخروج من هذا النفق إلى نور الحقيقة، وإعادة صياغة مستقبلها كما تريده من جديد. إنها حالة عارضة تصيب كل الأمم في وقت الشدة والوهن، لكنها في لحظة ما تخرج إلى الحياة وتستنفر كل ما لديها في استجابة طبيعية للتحدي وحق الحياة.
هناك دول تم سحقها وتدميرها في حروب وفتن، إلا أنها لم تقطع الأمل، وعادت تشق طريقها وتبني نفسها من الصفر وتثبت وجودها بين الأمم قوة اقتصادية وسياسية وعسكرية يحسب لها حساب.
نحن كعرب لا ينقصنا شيء إلا الإرادة للخروج من حال التواكل والاستنقاع. لدينا كل ما يمكّننا من النهوض وتعويض ما فات، وهذا لا بد أن يأتي ما دام هناك من يقاوم ويرفض الاستسلام ولو بالصدور العارية والمقاليع والحجارة.
لن نقطع الأمل ولا بد من قيامة آتية..ولعل مقررات قمة «القدس» في الظهران تفتح كوة الأمل ، وتمهد الطريق لعمل عربي مشترك يكون بمستوى التحديات والمخاطر التي تواجه الأمة العربية ، من منطلق أن الأمن العربي واحد ، وأن دولة بمفردها لن تستطيع حماية نفسها وغيرها.
“الخليج”