السارين مقابل «فركة الأذن»: تجارة الأسد الرابحة!
تتابع الإدارة الأمريكية التلويح بتوجيه «رد عسكري» على الهجوم الكيميائي بغاز السارين ضد مدينة دوما مؤخراً، والذي تؤكد مؤشرات عديدة مسؤولية النظام السوري عن تنفيذه. وإلى جانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أعلن بنفسه عن «قرارات مهمة سوف تُعلن بشأن سوريا» خلال الساعات المقبلة، شارك في إرسال الإشارات وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس الذي لم يستبعد «استخدام القوة العسكرية»، ولجأت المندوبة الأمريكية الدائمة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي إلى لغة خشنة في وصف تواطؤ موسكو وطهران مع «الهجمات الوحشية» التي يشنها النظام السوري على الغوطة الشرقية.
من جانبه كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد اعتبر أن كل «هجوم كيميائي مميت» في سوريا هو خط أحمر يُلزم بلاده بالرد، ولهذا فقد تشاور مع نظيره الأمريكي، واتفقا خلال محادثة هاتفية على «رد قوي مشترك». ولم تتأخر رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي في اللحاق بالركب، فوصفت النظام السوري بـ«الوحشي» الذي «يهاجم شعبه ونحن واضحون تماماً في ضرورة محاسبته ومحاسبة داعميه أيضاً». وأما المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل فقد تبادلت الرأي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد أن كان الناطق باسم الحكومة قد أعلن أن «أفعال النظام السوري خسيسة، إنهم غير آدميين ويخرقون القواعد الأساسية للقانون الدولي ولا يجب أن يمر ذلك دون عقاب».
وبالفعل، قد لا يمر هجوم السارين دون «عقاب»، ولكن ليس أكثر من هذا! فالتجربة الأحدث عهداً تمثلت في الضربة الصاروخية الأمريكية ضد مطار الشعيرات التابع للنظام السوري، عقاباً له على الهجمة الكيميائية التي استهدفت خان شيخون في مثل هذه الأيام سنة 2017، وأودت بحياة 100 ضحية معظمهم من الأطفال. والدليل على أن ذلك العقاب لم يسفر عن أي نتيجة رادعة هو لجوء النظام السوري إلى تكرار استخدام السارين في دوما، وكأنه يحيي ذكرى جريمة خان شيخون ويجدد التعاقد على هذه الصيغة من التجارة الوحشية الرابحة: هجمة سارين ينفذها أينما شاء ومتى سنحت السانحة، مقابل «فركة أذن» من المجتمع الدولي لا تتجاوز حفنة صواريخ في أقصى «عقاب»!
والحال أن بشار الأسد سوف يكون أبرز السعداء بضربة أمريكية جديدة، فكيف إذا تناغمت مع مشاركة فرنسية او بريطانية أو أطلسية، لسبب أول هو أنه آخر من يكترث بأي أذى يصيب سوريا ومرافقها المدنية أو العسكرية، فهو ألحق بها من الخراب والدمار ما تعجز عنه آلاف الصواريخ الأمريكية. والسبب الآخر هو أن ما تبقى من جيشه بات اسماً على غير مسمى، والأسد لا يدين ببقائه إلا للجيش الروسي وحرس إيران وميليشياتها المذهبية. هذا إذا لم «يتنافخ الممانعون» شرفاً فتنشق حناجرهم دفاعاً عن «نظام الصمود والتصدي» الذي تعتدي عليه الإمبريالية العالمية.
وإذا كانت تجارة الأسد هذه رابحة مع نفاق المجتمع الدولي، العاجز حتى عن إيصال مجرمي الحرب إلى قفص العدالة من باب أضعف الإيمان، فإن ميزانها عند الشعب السوري ليس خاسراً تماماً مع الأسد ونظامه ورعاة بقائه فقط، بل مع الذين اكتفوا بوصف جرائم الوحش، وتابعوا التفرج عليها مكتوفي الأيدي.
“القدس العربي”