الإرهاب يضرب مجدداً
العملية الإرهابية التي استهدفت مدينة مونستر في غرب ألمانيا يوم أمس، ومن قبلها الشهر الفائت في منطقة تريب في فرنسا تؤكد أن الإرهاب لا يزال قادراً على إيذاء أوروبا، وبإمكانه تجاوز كل الإجراءات الأمنية المضادة التي تتخذها الدول الأوروبية. بمعنى آخر أن خطوات مكافحة الإرهاب لم تبلغ حتى الآن المستوى المطلوب الذي يشكل رادعاً فعلياًَ للإرهابيين مهما كانوا ومن أية جهة أتوا.
والتركيز على خلايا «داعش» النائمة أو «الذئاب المنفردة» في الاستنفار والمتابعة الأمنية يترك الساحة لآخرين قد يكونون أكثر شراسة وعنفاً من «داعش».
أيا يكن الفاعل في عملية الدهس، والتي تشير المعلومات الأولية إلى أنه ألماني الجنسية ، استهدفت مواطنين أمام مقهى بأحد شوارع المدينة الألمانية وأدت إلى مصرع أربعة أشخاص وجرح حوالي ثلاثين، وانتحار الفاعل، فإن ذلك يدل على قدرة الإرهاب في أن يتحرك ويترك بصمته الدموية أينما ضرب، ويقول إن بإمكانه الوصول حيث يريد وإن الإجراءات التي تتخذ ضده ما زالت قاصرة عن محاصرته وخنق أنفاسه.
لكن الواقع يقول أيضا إن أية إجراءات أمنية ومها بلغت من الدقة والشدة لن تستطيع منع انتحاري يركب سيارة مثلا من تنفيذ عملية مثل ما جرى في المدينة الألمانية أو في مدينة نيس الفرنسية يوم 14 يوليو /تموز 2016 والتي أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 84 شخصاً.
لذا على دول العالم أن تخرج من حالة العمل المنفرد والرؤية الخاصة والانتقائية للإرهاب، والتخلص من فكرة أن الإرهاب هو إنتاج إسلامي كما يروج عتاة التطرف اليميني والجماعات اليهودية والأدوات الإعلامية التي يديرونها، والمباشرة في وضع استراتيجية تتعامل مع الإرهاب كإرهاب أيا كان مصدره ودوافعه، جماعة كانت أو دولة طالما يستهدف مدنيين أبرياء.
ثم، إن استخدام الإرهاب كهدف سياسي بمعزل عن الجهة المعنية إن كانت، تمارس الإرهاب أم لا، سوف يمنح الإرهاب الحقيقي فرصة للنمو والتمدد لأن الاهتمام سوف ينصرف إلى سواه. ومن الغرابة بمكان أن كثيراً من الدول لا ترى في ما تقوم به «إسرائيل» ضد الشعب الفلسطيني من قتل وتنكيل، وبقرار معلن من أعلى المراتب الأمنية والسياسية، أنه عمل إرهابي، بل تعتبره «دفاعاً عن النفس»، رغم أن الفلسطيني أعزل تماماً، إلا من حجر مثلًا.
وإلى أن تتضح تماماً دوافع عملية مدينة مونستر، وكشف هوية الفاعل الذي انتحر، تبقى العملية بحد ذاتها إرهابية بامتياز لأنها استهدفت مجموعة من البشر الأبرياء الذي لهم الحق في الحياة، لا أن يلقوا حتفهم على يد مجرم أو مجنون أو إرهابي ملغوم بأفكار وعقيدة خارج الفهم البشري.
“الخليج”