لا انفراجات قريبة في سوريا
د. محمد عاكف جمال
هناك تطورات متسارعة تجري في الشرق الأوسط لا مجال لغض الطرف عن خطورة تداعياتها على المستويين الإقليمي والدولي، فعلى مدى سنوات استمعنا إلى التصريحات الشديدة اللهجة وإلى التهديدات الصادرة عن الإدارة الأميركية للنظام السوري وتكرار المطالبة بإزاحة الرئيس الأسد، إلا أن ذلك لم يتعزز بإجراءات على الأرض ترقى إلى مستوى المطلب المعلن.
اندلاع الحرب في سوريا وتصاعد حدتها واستمرارها طيلة سبع سنوات، نقل الصراعات فيها إلى مستوى جديد، حيث اقتربت خطوط التماس الأميركية الروسية كثيراً من بعضها في ظل ظروف دولية تتجه فيها العلاقات الروسية مع الغرب عموماً ومع الولايات المتحدة خصوصاً، نحو توترات تتجاوز ما كانت إبان حقبة الحرب الباردة.
الساحة السورية هي الأكثر خطورة رغم أن هناك نيراناً مندلعة في أماكن أخرى من المنطقة، انتهاء العمليات العسكرية في غوطة دمشق ونهايتها القريبة في مناطق أخرى لا يعني عودة الأوضاع إلى طبيعتها، بل يعني أن الأوان قد حان لمواجهة استحقاقات نهاية العمليات العسكرية بين السوريين.
فبالقدر الذي حققت الدول الأربع التي لديها حضور عسكري في سوريا، روسيا والولايات المتحدة وإيران وتركيا، بعض النجاحات إلا أن أياً منها لم ينجز بعد ما جاء من أجله، فدون ذلك عقبات وإشكالات كثيرة وكبيرة قد لا تكون موائد المفاوضات وحدها قادرة على مقاربتها.
المشروع الأميركي بإنشاء قوة من ثلاثين ألف مقاتل من قوات سوريا الديمقراطية الذي يشكل الكرد عمودها الفقري تتولى أمن الحدود مع تركيا ومع العراق يواجه مخاطر كبيرة من قبل تركيا حليف واشنطن.
تركيا التي تؤرقها القضية الكردية منذ مطلع ثمانينيات القرن المنصرم لديها خشية حقيقية مما قد يكون كامناً خلف هذا المشروع الذي ظاهره التصدي لتنظيم داعش أو وضع قيود شديدة على حركته، فالولايات المتحدة لا نية لها للخروج من سوريا.
فالعمليات العسكرية التركية في الشمال السوري واحتلال عفرين وتهديد أنقرة بتوسيع عملياتها نحو منبج، حيث توجد قوات أميركية لا يقف عند حد إجهاض المشروع الأميركي، بل يتجاوز ذلك إلى نسف العلاقات التركية الأميركية، وهو أمر يسبب الصداع في عاصمتي الدولتين وربما في عواصم دول أخرى أعضاء في الناتو.
والحقيقة أن نظرة أولية إلى خارطة القوى في سوريا والعلاقات المعقدة بينها ليست في صالح الولايات المتحدة، روسيا يبدو عليها الارتياح وهي تشهد العزلة التي بدأت تحيق بالسياسة الأميركية حيث تجتاح تركيا حلفاء واشنطن التي لا تستطيع عمل شيء غير المطالبة بضبط النفس.
العلاقات التركية الأميركية كانت على الدوام موضع اهتمام الدولتين لإدامتها وتطويرها لأهميتها في التوازنات الدولية، إلا أن القضية الكردية في سوريا التي برزت مؤخراً أصبحت موضوع خلاف خطير بينهما، وقد كشفت التطورات الأخيرة عن محدودية قدرات واشنطن في ممارسة الضغوطات على أنقرة بهذه القضية بالذات.
تركيا تسعى جاهدة لقلب معادلة الخلاف مع واشنطن إلى معادلة تفاهم تتخلى فيه الولايات المتحدة عن دعم الكرد لصالح إطلاق يدها في الشمال السوري غرب الفرات وشرقه للتصدي للكرد السوريين، مقابل تعاونها في تنفيذ استراتيجية واشنطن في سوريا التي تتضمن تغيير النظام القائم والعمل على إخراج جميع الميليشيات من الأراضي السورية، وقطع طريق تواصل طهران مع شرق البحر المتوسط.
تركيا التي تلوح بتقاربها مع روسيا تستغل قدراتها على الأرض، وتستغل كذلك واقع أن الولايات المتحدة بعد حربين غير ناجحتين في أفغانستان والعراق لا تود التورط في حرب أخرى قد لا تكون أفضل في نتائجها من سابقتيها.
من المستبعد جداً أن تتخلى الإدارة الأميركية عن مشروعها في سوريا، فهي بذلك تلحق ضرراً بليغاً بهيبتها الدولية، لذلك لن تتخلى تماماً عن حلفائها الرئيسيين الذين أصبحوا في وضع حرج يتهمون روسيا بمنح تركيا الضوء الأخضر لاجتياح عفرين من جهة، وينظرون بعين القلق وربما الإحباط إلى خطوات الولايات المتحدة المقبلة اتجاه قضيتهم من جهة أخرى.
إلا أن واشنطن من جانب آخر، في أجواء الواقع المعقد في الساحة السورية، أمام استحقاق تقديم تطمينات لتركيا على أمنها القومي من خلال إجراءات تتخذها في المناطق التي تحت سيطرتها تعبر عملياً عن عدم التعاطف مع الحلم الكردي بإنشاء دولة مستقلة، خاصة أنها فعلت ذلك بموقفها من الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان في العراق.
* كاتب عراقي
نقلا عن “البيان”