الاستهتار الاسرائيلي مسمار في نعشه
سقط 17 شهيداً، 1416 جريحاً، واصيب 750 بطلق حي.. وان 20 من الجرحى بوضع حرج في مظاهرات يوم الارض، ويوم العودة الكبرى، مؤكدة تمسكها بالارض وحقها بالعودة ورفضها الاحتلال الاسرائيلي. وقامت الجماهير الغفيرة بتشييع شهدائها وسط الهلاهل والرصاص وهتافات “الله اكبر”، وسط اجواء من الاستنكار العالمي العارم.. ومع ذلك وبمعارضة من امريكا تعطل مشروع مجلس الامن الذي تقدمت به الكويت لادانة الجرائم الاسرائيلية.
مر اكثر من قرن على بدء الهجرات الصهيونية المنظمة الى فلسطين، واكثر 7 عقود على تأسيس دولة “اسرائيل”، رغم ذلك تزداد القضية الفلسطينية التهاباً وتعبئة اكثر من اي وقت مضى. ويخطىء من يعتقد ان القمع والعنف والتقادم والمؤامرات الدولية والضغوطات السياسية والسعي لشق الصف الوطني والرشاوى المالية ستنسي اصحاب الحق حقوقهم. وسينهار اي منطق او محاولة لشرعنة الاحتلال، وفرض الامر الواقع، سواء اتى من جهات فلسطينية او اقليمية او دولية.. وستعترف “اسرائيل” في وقت منظور بهزيمتها نهاراً جهاراً، على ارض فلسطين التاريخية، كما اقرت بهزيمتها خارجها.. وان قمعها واسوارها وجدرانها ومستوطناتها هي دلائل على تراجع مشروعها، وهي بشائر النصر، كما يعلمنا التاريخ.
ازمة الاسرائيليين في فلسطين انهم استوطنوا ارضاً باركها الله سبحانه وتعالى ووعد بها عباده الصالحين اولي بأس شديد يمدهم سبحانه بمصادر القوة والمقاومة والبقاء والنفرة. ومهما بدت “اسرائيل” منيعة وقوية لكنها ستهزم في النهاية، كما هزم الجزائريون الاستيطان الفرنسي في اوائل الستينات.. وهزم السود العنصريين الامريكيين في اواسط الستينات.. وهزمت الاغلبية السوداء المستوطنين البيض في جنوب افريقيا في الثمانينات والتسعينات.. وكما تم هزم عتاة العنصريين في البلقان بعد التسعينات، وقس على ذلك. فالقوة والعربدة والظلم تصنع جزءاً من وقائع التاريخ، ليصنع الضحايا والمقاومة وطلاب الحق الجزء المنتصر والناصع فيها. فلكل فرعون موسى، وان الاسرائيليين سيُهزمون في فلسطين حتى لو افنوا كل الرجال.. فستحاربهم النساء.. وان افنوا البالغين فسيحاربهم الاطفال.. وان افنوا الجميع فستحاربهم الارض، وسيحاربهم اليهود انفسهم.
سيلد مع كل شهيد عشرات المقاومين.. ففي اربعينيات القرن الماضي كان الصهاينة والاسرائيليون يحلمون بمستقبل زاهر لهم.. فكان ذلك عصرهم الذهبي، ووصلوا قناة السويس واحتلوا القدس والضفة واراض سورية ولبنانية، وحصلوا اعتراف مصر وبعض الدول العربية، ودخلوا في مفاوضات سلام مع السلطة الفلسطينية. واليوم بعد 70 عاماً تحولت احلامهم وانتصاراتهم الى كوابيس مرعبة، فانسحبوا من السويس واجزاء رئيسية من لبنان، بل انفتحت عليهم الجبهة الاخطر وهي فلسطين التاريخية في غزة والضفة واراض 1948 وغيرها، وجبهة عالمية واسعة باتت تتهمهم بجرائم حرب لا يستطيعون حماية انفسهم والهروب منها الا بمخالفة الشرعة الدولية –غير الدقيقة اساساً- والاحتماء وراء الجدران والاسوار والمستوطنات المحصنة.. مما يشير لكل صاحب رؤية ان عصر التراجع قد بدأ، ولن يتوقف الا بانتهاء الاحتلال وعودة الارض لاصحابها الحقيقيين. فالعدوان يوحدنا عندما نفترق.. ويصحح –بغلوائه- بوصلتنا عندما تنحرف.. ويضخ –بعجرفته واطماعه- في صفوفنا الانصار والحلفاء والمناصرين.
هذه مواقف لا تمليها الحماسة والعاطفة المجردة، بل ترتبط تماماً بقضايانا العامة واليومية. ففلسطين ليست قضية خارجية بالنسبة للعراق والعراقيين.. صحيح ان البعض اساء لنا، كما ان البعض منا اساء لهم.. وهذه وتلك لا نراها الا كما نسيء كعراقيين بعضنا للبعض الاخر. فهم انفسنا وليسوا اخواننا فقط. لذلك تدمى قلوبنا لجرحى فلسطين.. وشهداؤها شهداؤنا.. وانتصارها انتصارنا ، وانتصاراتنا انتصاراً لفلسطين. فالمنطقة موحدة، هكذا رأها “سايكس وبيكو” فقسماها بينهما للتحكم بها.. وهكذا رأتها مطامع الصهيونية ومشروعها من الفرات الى النيل.. وهكذا رأها الامريكان فاعلنوا الشرق الاوسط الكبير.. وهكذا رأها “داعش” فاعلن دولته في العراق والشام.. مشاريع انطلقت كلها من وحدة المنطقة وقضاياها وواقعها ومستقبلها.. فهل نبقى نقدم خلافاتنا، ولا نرى وحدة مصالحنا وواقعنا ومستقبلنا؟
عادل عبد المهدي