ماذا بقي من الأرض؟
في يوم 30 آذار (مارس) 1976 سجل الفلسطينيون في الجليل الأعلى صفحة مضيئة في التاريخ الفلسطيني عندما هب سكان قرى عرابة وسخنين وكفر كنا ودير حنا وعرب السواعد في انتفاضة شعبية لمقاومة مخطط «تهويد الجليل» بعد قيام سلطات الاحتلال بمصادرة 21 ألف دونم من أراضي هذه القرى، انتهت بسقوط ستة شهداء وعشرات الجرحى خلال مواجهة مع القوات «الإسرائيلية» التي استخدمت الدبابات ضد المتظاهرين.
من يومها، كان «يوم الأرض» الفلسطيني إحياء لذكرى بطولة وحق، في مواجهة باطل وعدوان وتهويد.
بعد اثنين وأربعين عاماً ما زالت الأرض هي محور الصراع وستظل إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
منذ سايكس- بيكو ووعد بلفور، وحتى اللحظة التي قامت فيها دويلة «إسرائيل»، وإلى الآن كانت الأرض هي الهدف والمبتغى، وحولها دار الصراع الذي سقط فيه عشرات آلاف الشهداء.. وما زال.
هي الأرض، العرض والشرف والكرامة.. هي الماضي والحاضر والمستقبل.. هي المهد واللحد.. هي التراب الذي احتضن رفات الآباء والأجداد.. هي الأم التي أرضعت الأجيال حليب الفداء والشهادة، فأزهر بطولة وعنفواناً وشقائق نعمان.
في يوم الأرض الذي يهلُّ علينا هذا العام نقف شهوداً على مأساة تتواصل فصولها مزيداً من التهويد والضم والاستيطان، وعلى جهد دؤوب لمحو الذاكرة وتدمير الوعي، وعلى مؤامرات من فوق الطاولة وتحتها لتكريس نهج الاستسلام وتصفية القضية، بما يعني التنازل عن الأرض وتسليمها لشذاذ الآفاق ومن يمشي في ركابهم.
يوم الأرض ليس طقساً احتفالياً، أو فولكلوراً شعبياً، إنما هو نجيع الدم الذي يروي الأرض ويسقيها بطولة وبأساً. هو كل يوم تستل فيه صبية سكيناً من وسطها تحزُّ به عنق عدو. هو كل حجر يقذفه طفل في وجه جندي حاقد، ومقلاع يصوَّب إلى مستوطن، وسيارة تجتاح رهطاً من قطَّاع الطرق والمرتزقة.. هو الرصاصة التي عزَّ وجودها في ظل التنسيق الأمني والخيانة والوشاية، التي تصيب مقتلاً في جندي محتل.
يوم الأرض، هو التحدي اليومي للاحتلال في الميادين والشوارع، والمواجهة بالصدور العارية وتجاوز الجدران والحواجز. هو الحج كل يوم إلى المسجد الأقصى وكنيسة القيامة لتأكيد الولاء لهما والانتماء إليهما، باعتبارهما صلة الوصل بين الأرض والسماء ورابط الإيمان بين فلسطين وناسها ومقدساتها وأنبياء الله.
وماذا بعد؟ إذا كان لصوص المعبد قد استولوا على كل فلسطين 48 في عام النكبة، واستولوا على أكثر من 42 بالمئة من الضفة الغربية منذ العام 1967 حتى الآن، وأقاموا عليها نحو 200 مستوطنة، أي أن أكثر من 85 بالمئة من أرض فلسطين في قبضة الاحتلال، فلم يبق من فلسطين إلا 25 بالمئة هي أيضاً تحت الاحتلال، بوجود سلطة فلسطينية خاضعة للاحتلال أيضاً.
ومع ذلك، سيبقى يوم الأرض هو الناقوس الذي يذكّر العرب والعالم بأن فلسطين عربية.. هي ليست للبيع أو النسيان، ولن تكون بضاعة أو عقاراً قابلاً للبيع والشراء .
“الخليج”