«وزارة حرب» ترامب: هل يتمخض الجبل عن فأر؟
وزارة الحرب» هو التعبير الذي تبادر إلى أذهان الكثير من المراقبين حين أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إقالة هربرت ماكماستر من منصب مستشار الأمن القومي وتعيين جون بولتون بدلاً عنه، مستكملاً بذلك لائحة «صقور» ضمت مايك روبيو القادم من إدارة وكالة المخابرات المركزية إلى وزارة الخارجية، وجينا هاسبل المديرة الجديدة للوكالة ومهندسة تطبيق تقنيات التعذيب أثناء التحقيق مع الموقوفين في سجون أمريكا السرية الخارجية.
ثمة سمات عديدة تجمع بين هؤلاء الثلاثة، في مسائل الأمن القومي الداخلي والسياسة الخارجية ودور أمريكا على نطاق العالم، ولكن الصفة الأبرز والأخطر هي اعتناق مبدأ الحرب في مواجهة ما يُسمى «الأخطار» التي تتهدد مصالح أمريكا العليا، والإيمان بأن المخارج التي تتوخى السلام عبر المفاوضات والدبلوماسية عقيمة إذا لم تكن ضارة بأمن أمريكا في المدى البعيد.
على سبيل المثال، وحسب ذهنية مستشار الأمن القومي الجديد، لا فائدة من تجديد العمل بالاتفاق الدولي مع إيران حول برنامجها النووي، وبولتون لا يوصي إدارة ترامب بالانسحاب منه في أيار /مايو المقبل فحسب، بل يحث البيت الأبيض على إبقاء الخيار العسكري جاثماً على طاولة أي تفاوض مع طهران. ورغم أنه كان ممثل أمريكا الدائم لدى الأمم المتحدة، أثناء رئاسة جورج بوش الأب، فإن بولتون لم يتوقف يوماً عن إبداء الاحتقار لهذه المنظمة الدولية، وهو صاحب العبارة الشهيرة: لن يتغير شيء إذا حُذفت عشرة طوابق من مبنى الأمم المتحدة». وأما بصدد القضية الفلسطينية فقد أعلن بولتون مراراً بأن حلّ الدولتين قد مات، ومن الخير تسليم الضفة الغربية إلى الأردن، وقطاع غزة إلى مصر.
لكن اختبار مدى تأثير «وزارة الحرب» هذه في ترجيح القرار العسكري لدى ترامب سوف يتضح خلال الأسابيع القليلة المقبلة، حين يفرغ مجلس الأمن القومي الأمريكي ووزارة الخارجية من إعداد ملفات القمة المرتقبة بين ترامب ورئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون. فإذا اتصفت تلك الملفات بالتشدد والمطالب التعجيزية، كأن يُطلب من بيونغ يانغ تفكيك كامل برنامجها النووي مثلاً، فإن الفشل الذريع سوف يكون مآل تلك القمة، وسوف يسجل صقور البيت الأبيض جولة انتصار أولى في ترجيح كفة الحل العسكري.
لكن العالم تغير بالطبع ولم يعد يسيراً على بولتون وأمثاله استدراج سيد البيت الأبيض، حتى من النوع المتهور الذي يمثله ترامب، إلى حرب وخيمة العواقب على الطرفين المتحاربين معاً. وليس اجتياح أفغانستان والعراق أو قصف طهران عمليات مماثلة للدخول في حرب مع بلد يمكن لصواريخه المحملة برؤوس نووية أن تبلغ عمق أمريكا ذاتها. ولهذا قد لا يتمخض جبل «وزارة الحرب» هذه إلا عن فأر التهديد والوعيد والضغط، فضلاً عن تقوية شوكة المتشددين في البلدان ذاتها التي يحث صقور البيت الأبيض على ردعها.
مثير للعجب، أخيراً، أن يستغرب البعض إقدام ترامب على اختيار نماذج بولتون وروبيو وهاسبل، وكأن أمريكا انتخبته رئيساً كي يتخذ قرارات أكثر حكمة وأشدّ عقلانية!
رأي القدس
“القدس العربي”