اراء و أفكـار

مؤشرات على التعقل

ما راقبه العالم خلال الفترة القليلة الماضية على مستوى العلاقات الدولية، وما تخللها من توتر وتهديدات وتحديات، والكشف عن أسلحة جديدة مدمرة، جعله يستعيد ذكريات الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق وبعض المراحل التي كان الصدام بينهما قاب قوسين أو أدنى، وبما يتجاوزهما كبلدين عدوين، حيث مصير العالم بأسره كاد يتوقف على قرار مجنون يؤدي إلى كارثة قد تصل حد الفناء.
ورغم التغير الذي شهده العالم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وسقوط جدار برلين الذي كان إيذاناً بنهاية الحرب الباردة، ورسم حدود جديدة للعلاقات الدولية تقوم على تبادل المصالح في إطار العولمة وسقوط الصراع الإيديولوجي، وبروز روسيا جديدة تأخذ بسياسة السوق، إلا أن الولايات المتحدة اعتبرت أن ما تحقق هو انتصار تاريخي وأبدي لها وللنهج الرأسمالي، ما يعطيها حق التفرد بالنظام العالمي وقيادته وفق مشيئتها، من دون أن تدرك أن هناك قوى بازغة بات لها قدرات اقتصادية وعسكرية وتقنية هائلة بدأت تأخذ دورها في العالم، ومن حقها بالتالي أن تكون شريكة في النظام الدولي.
وتصر الولايات المتحدة على الاستئثار بهذا النظام، وتعمل على مواجهة كل من يحاول مزاحمتها، أو أن يأخذ دوره فيه. لذا اتسع نطاق الصراع على مستوى القارة الأمريكية بقسميها الشمالي والجنوبي من خلال إلغاء اتفاقيات تجارية كما الحال مع كندا والمكسيك، ثم التخلي عن اتفاقات مع كوبا لتطبيع العلاقات، وفتح مواجهة مع فنزويلا، وصولاً إلى الخروج من اتفاقية المناخ، والتهديد بالانسحاب من أحلاف، وفرض عقوبات على دول مثل روسيا، وتوتير للعلاقات في جنوب شرق آسيا مع الصين وكوريا الشمالية، إضافة إلى مبايعة مطلقة ل «إسرائيل» وسياساتها العنصرية التوسعية، خصوصاً ما يتعلق بمدينة القدس والاستيطان.
كان واضحاً أن هناك سياسات أمريكية جديدة تضع العالم أمام سلسلة من المواجهات وحالة من القلق، خصوصاً بعد تصاعد وتيرة المجابهة مع كوريا الشمالية وروسيا، حيث باتت التهديدات تأخذ منحى خطيراً، وبدأ العالم لا يستبعد حرباً عالمية ثالثة قد لا تبقي ولا تذر.
وسط هذا الاستنفار، تلوح بوادر تعقل لإبعاد شبح المواجهات العسكرية، وتقليص مخاطر سباق التسلح. وجاء الحديث عن قمة مرتقبة بين الرئيسين الأمريكي والكوري الشمالي في مايو/ أيار المقبل، وحديث بيونغ يانغ عن استعدادها للتخلي عن برنامجها النووي العسكري، ثم الاتصال الهاتفي الذي هنأ فيه الرئيس الأمريكي ترامب الرئيس الروسي بوتين لمناسبة فوزه بالرئاسة للمرة الرابعة، إشارة واضحة إلى الرغبة في تخفيف حدة التوتر وإبعاد العالم عن حافة الهاوية، خصوصاً بعد الإعلان عن قمة قريبة بين الرئيسين لبحث مسألة سباق التسلح التي بدأت تخرج عن نطاق السيطرة، وإعادة ضبط العلاقات الثنائية لما فيه مصلحة البلدين والعالم.
هناك على ما يبدو فرصة، للخروج من عنق الزجاجة، إذا ما أدرك البلدان أن مصلحتهما تقتضي الاتفاق، لأن المواجهة ثمنها مكلف جداً.

“الخليج”

مقالات ذات صلة