رئاسة بوتين: فوز كاسح تكفله بطون خاوية
رأي القدس
لم يشكك أحد في أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سوف يفوز بولاية رئاسية رابعة، أو أن فوزه ذاك لن يكون ساحقاً وبنسبة تتجاوز الـ75 بالمئة من مجموع الناخبين، بل يمكن القول إن المرشحين السبعة المنافسين له لم يدخلوا الصراع بأمل تخفيض معدلات فوزه العالية، وإنما قياس مقادير حظوظهم بالمقارنة معه، ليس أكثر.
وقد تكون صحيحة في كثير أو قليل تلك التقارير التي صدرت عن مجموعات معارضة ومنظمات غير حكومية، حول وقوع آلاف من التجاوزات، بينها تعبئة صناديق بأوراق اقتراع وهمية، وتهديد مراقبين، ونقل ناخبين في حافلات حكومية. ولن يكون هذا كله مستغرباً ضمن مناخات روسيا السياسية والحزبية الراهنة، فلقد جهد بوتين، عبر 18 سنة من إمساكه بزمام السلطة، على التفريغ المنهجي للسياسة في المجال العام، وتهميش الصوت المعارض في وسائل الإعلام، وإضعاف قوى المجتمع المدني، أو حتى السعي إلى التصفية والتنكيل الجسدي بالمعارضين، كما في حالة ألكسي نافالني الذي اتُهم بالرشوة والاختلاس، وتعرض لاعتداء بسوائل حارقة، وحُظر عليه الترشح للانتخابات الرئاسية.
ولكن من الصحيح في المقابل أن بوتين يتمتع فعلياً بشعبية لا يستهان بها في الشارع العريض، بل إن مخاطبة المزاج الشعبوي لدى الجمهور تظل واحدة من أهم الركائز التي يعتمد عليها في استقطاب الجماهير واجتذاب حماسها لشخصيته وضمان التفافها حول سياساته. المفارقة أن هذه اللعبة الشعبوية تكاد أن تقتصر على عنصر واحد مركزي، هو دغدغة حاجة الروس إلى الإحساس بانبعاث أمجاد بلدهم السالفة، القيصرية والسوفييتية، والعودة إلى احتلال موقع القوة العظمى المنافسة للولايات المتحدة، وإحياء نظام الأقطاب على الصعيد العالمي، وترسيخ إمبراطورية كونية موازية. ذلك يفسر أن المعدلات الأعلى لشعبية بوتين تتركز حول قرارات مثل إلحاق القرم، أو التدخل العسكري في أوكرانيا، أو إقامة قواعد عسكرية في سوريا وتحقيق حلم القياصرة القديم في بلوغ مياه المتوسط الدافئة.
المفارقة أن النصر الانتخابي الكاسح الذي أحرزه بوتين إنما صنعته بطون خاوية للسواد الأعظم من الروس، بالنظر إلى الأوضاع المعيشية الصعبة، وركود الاقتصاد، وارتفاع التضخم، وانعكاس هبوط أسعار النفط على الميزانية العامة والمشاريع الإنمائية. وفي خطابه حول حالة الاتحاد الروسي، مطلع هذا الشهر، وعد بوتين بزيادة في الناتج القومي الإجمالي تصل إلى 50٪، وهذا في رأي خبراء الاقتصاد يستوجب نمواً سنوياً بمعدل 6 إلى 8 بالمئة، الأمر الذي يرجح الكثيرون أنه مستبعد تماماً. الخبراء أنفسهم يشيرون إلى حقيقة أنّ النمو الاقتصادي في روسيا لم يتجاوز 1٪ منذ عام 2009، بما يعنيه ذلك من ركود قد يستغرق النهوض منه سنوات طويلة وأعباء هائلة.
إلى هذا تبقى الأسئلة المعلقة حول مستقبل بوتين نفسه، وما إذا كان سيقدم على تعديل الدستور بما يتيح له رئاسة مفتوحة مدى الحياة، أو حول هوية خليفته إذا اكتفى بالدورات الرئاسية الأربع خاصة في حال استبعاد دميتري مدفيديف عن موقع رئاسة الوزارة والخلافة، أو حول التمسك بخياراته الراهنة على صعيد الملفات الدولية. وفي هذا كله، كما الحال في الاقتصاد، لن يكون صندوق الاقتراع هو المنقذ.
“القدس العربي”