اراء و أفكـار

سياسات أمريكية جديدة

بداية، لم تكن إقالة الرئيس الأمريكي ترامب لوزير الخارجية ريكس تيلرسون من منصبه مفاجئة، فقد كان الرجلان منذ تولى تيلرسون منصبه في مطلع فبراير/‏ شباط 2017 يفتقدان الكيمياء المشتركة، حتى بدا أن هناك انقطاعاً بينهما، ولا آراء مشتركة تجمعهما حول معظم القضايا والأزمات العالمية التي تواجهها الولايات المتحدة. ليس هذا فحسب، بل حاول الرئيس ترامب أن يقلص صلاحيات وزير الخارجية، من خلال تحديد بعض السياسات الخارجية بمعزل عن الوزير، حيث كثر الحديث عن «عسكرة» السياسة الخارجية، من خلال إعطاء وزن أكبر لرأي البنتاجون وأجهزة المخابرات.
كان واضحاً استحالة التعايش أو حتى المساكنة بين سيد البيت الأبيض ووزير خارجيته، وطالما ظهر التعارض بينهما في العديد من القضايا، وخصوصاً ما يتعلق بالموقف من الملف النووي الإيراني، والملف النووي والصاروخي الكوري الشمالي، والأزمة بين قطر والدول الأربع وخروج الدوحة على الإجماع الخليجي، حتى إن مسألة الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لـ «إسرائيل»، ونقل السفارة الأمريكية إليها كان لهما نصيب من الاختلاف في وجهات النظر، إذ كان تيلرسون يرى أن نقل السفارة يحتاج إلى عدة سنوات، وأن مستقبل القدس خاضع للمفاوضات، في حين كان للبيت الأبيض موقف مغاير تماماً.
لذا كانت الإقالة أو الاستقالة واردة في أية لحظة، لكن يبدو أن الأمور وصلت إلى لحظة مفصلية تستدعي الافتراق الكامل، كما تستدعي قرارات سياسية حاسمة إزاء قضايا لا يجوز تأجيلها وتقتضي موقفاً نهائياً، لأن إبقاء السياسة الخارجية بلا سياسة يظهر الولايات المتحدة وكأنها تفتقر إلى القرار، وهو ما يسيء إلى دورها ومكانتها.
اعترف الرئيس ترامب بوجود «اختلافات كبيرة» مع تيلرسون، وخصوصاً بشأن الاتفاق النووي مع إيران، وقال «كنا نفكر بطريقتين مختلفتين»، وكان اختياره لمدير وكالة الاستخبارات الأمريكية مايك بومبيو وزيراً للخارجية محاولة لضبط إيقاع الوزارة على إيقاع سيد البيت الأبيض، وخلق حالة من التناغم بينهما، خصوصاً أن بومبيو من أكثر الموالين له ومتفهمٌ لمواقفه إزاء معظم القضايا المشار إليها، ويفكران معاً «بنفس الأسلوب، ونتعامل مع بعضنا بعضاً بشكل جيد منذ اللحظة الأولى»، حسب ترامب.
الرئيس الأمريكي يريد فريقاً متجانساً، وقادراً على اتخاذ قرارات حاسمة، خصوصاً مع قرب المفاوضات مع كوريا الشمالية، وموافقة ترامب على الاجتماع مع الزعيم الكوري الشمالي، ثم بشأن المفاوضات التجارية مع أوروبا والصين وغيرهما، وتحديد موقف نهائي من الاتفاق النووي مع إيران الذي يعتبره ترامب «صفقة رهيبة»، والعلاقات مع روسيا والموقف من تطورات الأزمة السورية، وأيضاً حسم الموقف الأمريكي من أزمة قطر مع دول الخليج الأخرى، والخروج من حالة ممالأة الدوحة على حساب المصالح الأمريكية الأوسع.
ننتظر إذاً سياسات أمريكية جديدة وواضحة، وقد تكون صادمة ومفاجئة للبعض.

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة