اراء و أفكـار

مغادرة «حافة الهاوية»

عاش العالم على أعصابه طوال أكثر من عام، أي منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السلطة، على وقع التهديدات المتبادلة بينه وبين الرئيس الكوري الشمالي كيم جونج أون، حيث وصل الأمر إلى التهويل باستخدام الأسلحة النووية، و«وضع كل الخيارات على الطاولة»، حتى بدا وكأن العالم دخل مرحلة الفناء.
في ظل هذا التوتر الذي بلغ مداه، ووسط التحرك الأمريكي البحري في منطقة جنوب شرق آسيا والمناورات العسكرية مع كوريا الجنوبية ونصب مظلة صواريخ «ثاد» الأمريكية، وزيادة وتيرة التجارب النووية والصاروخية البالستية الكورية الشمالية بعيدة المدى، كان هناك على ما يبدو من يعمل وراء أبواب مغلقة، ونعني الصين الشعبية على تبريد الأجواء وخلق ظروف مؤاتية تفتح ثغرة في الجدار الموصد بين بيونج يانج وواشنطن، من منطلق أن أي انزلاق باتجاه مواجهة بين الجانبين، وأي عملية جنونية للضغط على الزر النووي تعني الدخول في حرب كونية لا تبقي ولا تذر، لأن الصين سوف تجد نفسها مكرهة للدخول في حمأة هذا الصراع باعتبار كوريا الشمالية هي مجالها الحيوي وترتبط معها بأكثر من علاقة، عدا أنهما متجاورتان وتعتبران الولايات المتحدة الخصم التقليدي.
لا شك أن هناك عوامل أخرى لعبت دورها في تبريد الأجواء، واضطرار الجميع إلى التراجع عن لغة التهديد والوعيد، واللجوء إلى التعقل، بعدما أدرك الرئيسان الأمريكي والكوري الشمالي، أنها ليست لعبة «بلاي ستيشن» إنما هي لعبة خطرة قد تتجاوز لعبة «حافة الهاوية».
ولا شك أيضاً أن العقوبات التي فرضت على كوريا الشمالية كانت قاسية عليها ولعبت دوراً في القرار بالاستعداد للتفاوض والتخلي عن الأسلحة النووية، إذا ما تم ضمان أمن النظام، والتوقف عن تهديده، وإشاعة حالة من السلام في شبه الجزيرة الكورية على قاعدة إبرام معاهدة سلام تنهي حالة الهدنة القائمة وتؤسس لعلاقات طبيعية مع الجنوب ودول الجوار خصوصاً اليابان.
لعل كوريا الشمالية من خلال موقفها الجديد، تريد أن تقول بأنها تريد أن «تأكل العنب لا أن تقتل الناطور»، ما أفسح الطريق لبدء حوار بين الجانبين.
إذا كانت الرياضة من خلال الألعاب الشتوية الأخيرة في كوريا الجنوبية قد استخدمت لتمهيد السبيل للتقارب بين بيونج يانج وسيؤول، وبالتالي بين بيونج يانج وواشنطن، كما كانت لعبة «البينج بونج» مدخلاً للمصالحة التاريخية بين الصين الشعبية والولايات المتحدة العام 1971، فلا شك أن العالم سوف يغادر «حافة الهاوية» في الصراع المحتدم بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية.

“الخليج”

مقالات ذات صلة